د. يوسف رزقة
في مثل يوم أمس الثاني والعشرين من مارس ٢٠٠٤م كان استشهاد الشيخ المعلم والقائد أحمد ياسين رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. آمين. 
إننا حين نتحدث عن الشيخ في ذكرى استشهاده، نشعر بعظم ما فقدنا، وبجسامة ما فقدت الساحة الفلسطينية الكبيرة، فالشيخ رحمه لم يكن قائدا عاديا، بل مثل قيادة استثنائية في تاريخ فلسطين ، حيث تفرد بصفات القيادة بين أقرانه ومريديه، رغم أنه كان عليل البدن مقعدا. 
كان الشيخ قعيد البدن، لا قعيد الإرادة، لم يستسلم للمرض، بل غالبه وتغلب عليه بالصبر والتوكل على الله، فكان أكثر قادة حماس حركة وتجولا في واحات الدعوة في قطاع غزة، فلقد سابق أصحاء البدن فسبقهم بلا منازع، بل وأقام الحجة الشرعية على كل صحيح متكاسل، لذا رأيت الجميع يقف أمامه خجلا، حيث لم يترك رحمه الله عذرا لمعتذر. 
إننا اليوم حين نتذكر الشيخ ونفتقده، إنما نفتقد مدرسة كاملة، فلقد كان أمة، في حمل أمانة الدعوة لله، وكان أمة في قيادة التنظيم ، فقد كان نافذ الكلمة، تلتف القلوب حوله حبا وولاء، وكان يشمل الجميع من حوله بلطف شمائله، وحسن أخلاقه، ووجاهة ما يحمل من علم، وغيرة على الإسلام والدعوة لله. 
كان بيته قبلة يومية لأتباعه ولكوادر الحركة، وكان حديثه الدائم معهم عن الدعوة، وآليات جمع القلوب والأتباع، وكيفية إعداد الجيل لتحرير فلسطين، وتطهير الأقصى. إنك حين تستمع إلية وهو يتحدث عن الأقصى، أو عن تحرير فلسطين، تظن أنك أمام قائد عظيم لقوات كبيرة عظيمة، وأن التحرير قادم وقريب، وأنه سيتحقق في السنوات القليلة المتبقة من حياته. 
مدرسة الشيخ مدرسة التفاؤل القائم على التوكل وعلى العمل، وكان سلاح الإيمان هو أمضى سلاح امتلكه الشيخ في حياته، وكان هو أهم ما ورثه لأصحابه والقادة من بعده، فقد كان يتفقد إيمان من حوله من مساعديه كما يتفقد المرء مطالب نفسه، أو مطالب والديه وأبنائه، لذا كان يبادر الآخرين بالسؤال والاستفسار. وما كان يوما شاكيا، أو باكيا لوجع في بدنه، ولكنه كان يبكي أمة الإسلام ودعوة الإسلام، وقد ترجم بكاءه إلى عمل، فكانت كتائب القسام الأمل الذي سقاه أحمد ياسين دموع الغيرة على الدين والوطن بشكل فريد. 
مدرسة الشيخ مدرسة جهاد وتضحية، إنه جهاد الفقيه الوسطي، الذي لا يعرف غلوا، ولا مغالاة، ولا تطرفا، وكانت هذه المعايير الحاكمة لعملية الجهاد، هي سرّ النجاح الذي أودعه برفقه المعتاد في قادة كتائب القسام، وقادة حماس، ممن ساروا على درب الشيخ ممن قضوا نحبهم، وممن ينتظر. رحم الله الشيخ ، وأسكنه فسيح جناته، وعوض الله الأمة الأسلامية والشعب الفلسطيني عنه عوض خير ورحمة. آمين