د. يوسف رزقة
خطّت إسرائيل استراتيجية مهاجمة من تبقى من الدول التي تساند الحقوق الفلسطينية، ومقاومته المشروعة قانونيا ضد الإحتلال ، فهاجمت بشدة دولتي قطر وتركيا، وركزت في هجومها على الدولتين على تهمة تأييد ورعاية الإرهاب، وقد أعانها على قطر النظام المصري الذي اتهم قطر بالإرهاب من داخل مبنى جامعة الدول العربية، لتحفظ قطر على الضربات الجوية المصرية لليبيا، مما اضطر قطر لاستدعاء سفيرها من القاهرة.
وحاولت اسرائيل أن تستعين بدول حلف الناتو للضغط على تركيا، بعد أن رفضت أميركا اتهام تركيا برعاية الإرهاب، وانطلاقا من المثل الشعبي ( الطلق الذي لا يصيب بدويش)، واصلت إسرائيل اتهامها لتركية برعاية الإرهاب، وكانت تقارير أمس في الصحف العبرية تتهم تركيا بإقامة معسكرات تدريب عسكرية لحماس بإدارة صالح العاروري، وبمساعدة عشرين من المحررين في صفقة وفاء الأحرار، ومثلت التقارير قصة محبوكة، توهم القارئ بمصداقية ما فيها ، مع أن كل ما فيها كذب في كذب، ولا أصل له، لأن حماس لا تمارس أي نشاط على الأرض التركية.
وأحسب أن السبب الرئيس لهذه التقارير، وتلك الاتهامات، يرجع إلى القلق الإسرائيلي من الموقف السياسي للرئيس أردوغان وتصريحاته ، خاصة في أثناء معركة ( العصف المأكول )، وهو ما سأنقل جوانب منها من تقارير عبرية رصدت تصريحات أردوغان ضد الحرب، وضد إسرائيل، ومنها: ( إسرائيل تقوم بتطهير عرقي وذبح الفلسطينيين منذ العام ١٩٤٨م)، ( وأعمال إسرائيل أكثر من أعمال هتلر)، و( إسرائيل تقتل النساء الفلسطينيات حتى لا يلدن الأولاد)، وفي إحدى المرات قال أردوغان: ( إن علاقات إسرائيل لن تتحسن طالما هو في السلطة).
ومن ثمة يمكن الحديث عن تدهور حقيقي في العلاقات بين تركيا وإسرائيل على خلفية حرب ( الجرف الصامد) ، وتراجعت عمليا العلاقات الاقتصادية والتجارية التي بلغت قبل الحرب نحو (5) مليارات دولار، وخفض الطيران التركي رحلاته إلى مطار بن غوريون، وتناقص سفر الإسرائيليين إلى تركيا، وتجمدت مباحثات الطاقة ونقل الغاز بين البلدين.
ما تقدم يعطي الصورة الحقيقية لا للعلاقة التركية الإسرائيلية الراهنة لا المتدهور فحسب، ولكنها تعطي أيضا الإجابة الحقيقية على سؤال لماذا تكرر (إسرائيل نيتنياهو ) اتهام تركيا برعاية الإرهاب؟! ، ولماذا تكرر ( إسرائيل ) شكوة تركيا إلى الدول الأوربية والناتو؟! ، ولماذا تنسج من العاروري والفلسطينيين تقارير مفبركة لتضليل الأوربيين ، ومحاصرة أردوغان في أهم ساحات تركيا الدولية؟!
والأخطر في القصة أن تجد إسرائيل في بعض الأنظمة العربية من يعينها على اتهام تركيا بالتهمة نفسها لمحاصرة دورها في المنطقة عامة، ولوقف مساندتها لحقوق الشعب الفلسطيني. والمسألة في الحقيقة لا علاقة لها بالعاروري، ولا بالتدريب العسكري، وهي تنحصر في موقف تركيا السياسي والإنساني وتأثيراته في الساحة الدولية والإقليمية.