د. يوسف رزقة
من لصيادي غزة؟ الهمة عالية، والسمك في البحر وفير، ولكن من يرفع يد المحتل عن البحر؟! العين بصيرة واليد قصيرة؟! . هكذا علق أحد الصيادين على ضياع موسم السردين لهذا العام. موسم رزق الصياد هذا العام ضاع كما ضاع في العام الماضي أيضا. موسم السردين يبدأ عادة في اول أبريل ويمتد لشهرين تقريبا. جلّ الصيادين يعتمدون على هذا الموسم في توفير بعض ضرورات الحياة اليومية لأسرهم. 
ضياع الموسم يعني تعميق حالة الفقر والعوز في هذه الشريحة التي تقدر بثلاثة آلاف أسرة. تقول نقابة الصيادين بغزة هناك ( ٣٨٠٠) صياد متوقفون عن العمل بسبب إجراءات العدو العدوانية، وحرمان الصيادين من الصيد على مسافة ( ٩) أميال، و(٩٠٪ ) من هؤلاء هم تحت خط الفقر المدقع، ويعتمدون على ( كبونة) المساعدات.
لاحظ كيف (تصنع ) دولة الاحتلال الفقر صناعة لتضرب الفلسطيني، وتجبر غزة على الركوع. البحر موجود، والصياد الماهر موجود، وإرادة العمل وطلب الرزق والعفاف موجودة، ولكن الاحتلال يحاصر هذا كله، ويعطل عملية الصيد برمتها وخاصة في موسم السردين، الذي هو طعام الأسر الفقيرة في غزة. دولة العدوان تبرر أعمالها الإجرامية هذه بالدواعي الأمنية؟! والحقيقة تقول: إن من يحاصر الصيادين على مسافة ستة أميال لأسباب أمنية، يستطيع أن يحاصرهم أمنيا على مسافة تسعة أميال، ولكن التسعة أميال توفر لهم فرصة الصيد والرزق والطعام، لذا يمكن القول إن ما يجري للصيادين في غزة هو حصار أرزاق وأقوات لا حصار أمني البتة، ومن ثمة قلنا ونقول إن دولة الكيان هي من تصنع الفقر، والفقر المدقع ، في غزة، تماما كما تصنع الموت والهدم بصواريخ طائراتها ومدفعيتها. 
تقول نقابة الصيادين إن قيمة خسائرها المادية بعد الحرب الأخيرة على غزة على المستوى اللوجستي من حسكات وسفن صيد صغيرة ، ومعدات صيد تصل إلى (١٠) ملايين دولار، وقد دمر الاحتلال ما يزيد على(٦٥) حسكة وسفينة صغيرة، واعتقل ما يزيد على(٥٥) صيادا في أثناء عملهم، وأطلق النار على عشرات منهم، فقتل بعضهم وأصاب أغلبهم بإصابات متفاوتة، دون وجود مبرر أمني لإطلاق النار، أو لتدمير السفن والحسكات. 
دولة الاحتلال الإسرائيلي تسيطر على بحر غزة بقوة السلاح البحري والطائرات، وتضيق مساحة الصيد إلى ما دون (٦) أميال بحرية، وهي مساحة لا تتواجد فيها الأسماك إلا نادر وبكميات قليلة، بينما تجوب سفنها البحار والمحيطات من أجل الصيد. دولة العدوان تحلّ الصيد لنفسها، وتحرمه على سكان غزة، لتعمق الفقر، وتجبر المواطنين على الاستسلام والركوع لإرادتها. 
الصراع في بحر غزة ليس صراعا متكافئا، لذا قلنا: العين بصيرة واليد قصيرة؟! ، وهو صراع على الرزق وطلب الحياة الكريمة، ولا علاقة للصراع بالمسائل الأمنية البتة، فمن يحاصر غزة على مسافة (٦) أميال، يمكنه أن يحاصرها على مسافة(١٢) ميل، وعندها ستكون النتائج الأمنية واحده، ولكن من يستهدف حصار الأرزاق يحاصر غزة على ما دون الستة أميال كما هو الواقع الآن.
نحن في جريدة فلسطين نتضامن مع الصيادين وأسرهم، ونلعن استنكارنا للحصار البحري هذا، ولعملية صناعة الفقر وتعميقه، لأنها صناعة غير أخلاقية، وتمثل جريمة قتل ناعمة. ونهيب بالمؤسسات الدولية بكف يد الاحتلال عن بحر غزة. ونقول إن تحرير بحر غزة من الاحتلال والعدوان لا يقل أهمية عن تحرير الأرض المحتلة، وإن السلطة الفلسطينية لا تقوم بواجباتها نحو شريحة الصيادين، وأظن أنه بإمكانها أن تعمل لهم شيئا لو توفرت الإداردة.