د. يوسف رزقة
قدمت كل من إيران وأميركا (اتفاق فينا) على أنه انتصار سياسي لكل منهما. والحقيقة أن لكل منهما زاوية نظر خاصة به تختلف عن وجهة نظر الآخر، لذا لا يمكن الثقة بموضوعية ما يقوله الطرفان. أميركا ترى أن الاتفاق هو الوسيلة الأفضل لمنع إيران من إنتاج سلاح نووي ، وإيران تقول إن برنامجها سلمي في الأصل ، ولا تسعى للقنبلة النووية، وإن استعادة مائة مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة هو هدف كبير وانتصار للدبلوماسية الإيرانية. 
اتفاق فينا لا يعني أن شهرا من العسل بدأ مباشرة في طهران وواشنطن، فما زالت الأمور في بدايتها، وما زالت تطبيقات الاتفاق قيد الامتحان العملي، وهناك اشتراطات وتهديدات بعدم التطبيق عند أدنى مخالفة. ومع ذلك فالاتفاق يتيح لإيران فرصة للخروج من دائرة العقوبات واحصار والإفادة من المليارات المجمدة وتحسين فرص تصدير النفط، ويتيح لواشنطن والوكالة الذرية للطاقة مراقبة عميقة للبرنامج الإيراني.
لقد أبدت الدبلوماسية الإيرانية قدرة جيدة في باب ( السياسة بالمصالح)، ولم تعد أسيرة المبادئ التي يكثر المحافظون الحديث فيها، فإيران دولة مصالح كغيرها من الدول الأخرى، وهي تنحني للعاصفة حينا يكون الانحناء واجبا سياسيا، ولكن هذا لا يمنع من طموحها المبدئي في قيادة دول الإقليم ، أو الدخول الى النادي النووي. 
حين وافقت دول العالم الكبرى على اتفاق فينا، وقفت إسرائيل وحيدة ضد الاتفاق، على الرغم من أن مستشاريها كانوا متواجدين في فينا ، وكانوا يقدمون نصائحهم ومطالبهم للوفد الأميركي بشكل مباشر، مما يعني أن إسرائيل حققت جلّ ما تريد فهي العضو القوي ، الغائب الحاضر في اتفاق فينا، لذا فأنا أفهم رفض اسرائيل للاتفاق على أنه مناورة وطلب مزيد من التنازلات، أو محاول مقايضة سكوتها بمساعدات أميركية عسكرية ومالية، وربما جغرافية في الجولان السوري كما تحدثت بعض المصادر العبرية قائلة إن الفرصة متاحة لكي تعترف أميركا بحق سرائيل في ضم الجولان السوري إليها. 
إنك إذا نظرت في الرفض الإسرائيلي للاتفاق داهمك السؤال القائل إن أميركا وأنصار سرائيل في أوربا هم من وقعوا على الاتفاق، فكيف لها أن ترفض اتفاق أبرمه من حافظوا على أمنها وعلى تفوقها العسكري؟! الموقف الإسرائيلي لا يمكن فهمه خارج معادلة المناورة وطلب المزيد والابتزاز.
اسرائيل تحاول أيضا بيع موقفها الرافض للاتفاق إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج لتحقيق تقارب معهم في مواجهة الخطر الإيراني، ولكنها غير معنية بالعمل ضد الاتفاق عمليا من خلال الجمهوريين في الكونجرس، وإن هددت بذلك، لأنها لا تملك إرادة تعطيل الاتفاق، ولكنها تبحث في استثماره. 
الاتفاق في نظري ليس شيئا كبيرا أو ضخما، ولكن إسرائيل جعلت منه قضية كبيرة، كما جعلت سابقا من القنبلة النووية الإيرانية قضية كبيرة ومستعجلة، حين زعمت أن إيران ستمتلك السلاح النووي غدا أوبعد غد، واليوم نكتشف أن إيران باعتراف أميركا تحتاج لعشر سنين أو أكثر لامتلاك سلاح نووي، وأن الاتفاق جاء لإطالة هذه المدة ومضاعفتها. 
خلاصة القول : إن في اتفاق فينا كثير من الكلام و الإعلام، وقليل من الموضوعية، تماما كما كان الأمر في قصة تخصيب إيران لليورانيوم. الاتفاق إدارة للملفات بالمصالح، وكل طرف يشعر بأنه حقق بعض مصالحه.