سياقات الكراهية
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

سياقات الكراهية

 فلسطين اليوم -

سياقات الكراهية

د. عاطف ابو سيف

لا يعرف أحد كيف نجح مواطن مغمور في حرف بوصلة النقاش الوطني كله من إدانة الاحتلال والتفكير في سبل الرد على جريمة إحراق الطفل دوابشة في نابلس من قبل المستوطنين وتدبير تطوير مواقف فصائلية موحدة لخلق حالة استنفار وطني عام، باتجاه نقاش فرعي حول صورة ساذجة يمكن لأي هاوٍ أن يقوم برسمها باستخدام برامج الرسم الحديثة على الكمبيوتر. وبفضل مواقع التواصل الاجتماعي نجح في وضع نفسه في دائرة النقاش حتى كاد الناس ينسون المصيبة الكبرى التي ألمت بعائلة دوابشة ويركزون نقاشهم على فعلته الشنيعة والصورة القبيحة التي قام بنشرها.
والمؤلم في كل ذلك أن هذا المواطن المغمور نجح فيما كان سيرغبه نتنياهو ويتمناه. ففي اللحظة التي يجب فيها أن تتوحد الجهود وتتفاعل الأفكار وتتلاقي الأزناد، كان الهم الشاغل للجميع هذا القبح الذي بدر منه. ورغم تبرئة صحيفة الرسالة التي يعمل فيها منه ومن رسمته الساذجة وغير الوطنية إلا أن الأمر يجب أن يتعدى مجرد الاستنكار ونفض اليد وحلف الأيمان. ودون الخوض في اتهامات غير وطنية عالية من باب أن يكون طُلب منه فعل ذلك من جهات خارجية – كما ذهب البعض للقول -، فإن ما قام به يرقى بكثير من اليقين إلى الأفعال التي تضر بالمصلحة الوطنية. ولكن هذا ليس باب القصيد في هذا المقال، حيث إن البحث في خلفيات ما فعل وإن كان ثمة قصدية من ورائه لحرف النقاش الوطني وتشويه رد الفعل الفلسطيني أمام العالم هو من اختصاص جهات أخرى. ما أريد أن أشير إليه في خضم كل ذلك جملة من القضايا.
بداية القصة لم تكن تحريضاً عابراً، فالشاب كان قد رسم قبل ذلك عشرات الصور ونشرها على مواقع حزبية تمس رموزاً وطنية بقامة ياسر عرفات، أربأ بنفسي أن أقوم بتفسيرها إكباراً لروح الشهيد الخالد. بل كانت مثل تلك الرسومات الساذجة أيضاً لكن نتنة الرائحة تلقى رواجاً في أوساط حزبية خاصة ويتم التهليل لها، وربما كانت هي محرك الكثير من التعصب والكراهية وتصعيد الخطاب. ما أريد أن أقوله إن الأمر لم يكن قضية عابرة ونزوة وانقضت بل هي استكمال لمسيرة طويلة من الردح الوطني ومن تسفيه القضية الوطنية وتصغيرها حتى تصبح الجماعة أهم من القضية.
يلي ذلك أن الشاب (لأنه لا يمكن أن ننعته بالفنان أو الرسام احتراماً لمجتمع الفنانين والرسامين) ربما هو إنتاج ماكينة كراهية عمياء لا تعرف التمييز بين الموقف الحزبي وبين المصلحة الوطنية للدرجة التي يمكن لها أن تدمر ذاتها والوطن من أجل تحقيق مصلحة صغيرة أو الثبات أمام موقف بدر في لحظة انفعال. لا يمكن أن نقول إنه ضحية هذه الماكينة التي ضحيتها الوحيدة هي المصلحة الوطنية، ولكن من المؤكد أنه لم يولد كذلك، بل إن عمله وتفاعله مع سياق الكراهية ساهم في تطوير مفاعيل مضادة للوطنية عنده. وهو ليس وحيداً للأسف، حيث إن جيلاً كاملاً يعيش في ظل هذا الوهم العظيم. سياق الكراهية هذا يقوم بتقسيم العالم إلى فسطاطين: أرض الإسلام وأرض الكفر. بالطبع الوطنية المُغيبة والقضية الضائعة لا مكان لهما في هذا التقسيم. ولكنْ ثمة احتكار مهول يتم وفقه تعريف كل شيء وفق هذين الفسطاطين. فالوطن والوطنية والتاريخ والكفاح والجهاد والاستقامة والنزاهة كلها تبدأ منذ لحظة تقسيم العالم. فالتاريخ الوطني لم يكن موجوداً قبل ذلك ولا النضال التحرري فكله وجد مع بداية تقسيم العالم. في سياق الكراهية هذا هناك جيش من المنتفعين وجيش آخر من معصوبي الأعين الذين يقومون بإطلاق النار على انفسهم بلا هوادة.
أليس هذا ما جلبه لنا الانقسام وثقافة الانقسام. ألم ينطلق الشاب من ثقافة باتت راسخة تتحدث عن غزة بشكل منفصل عن الضفة!! في هذه الثقافة التي هي في جوهرها سياسية لكنها باتت تعتمل في الوعي الباطن للمستقبل السياسي، هناك شعب غزة، الفنان الغزي، والكاتب الغزي، والمواطن الغزي، والمقاوم الغزي، ومستقبل غزة، وصواريخ غزة، ومقاومة غزة وأيضاً ربما دولة غزة. مقابل كل ذلك يتم فصل مصير الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده وليس فقط في الضفة الغربية عن مصيره في قطاع غزة. ألم يغب المصير المشترك عن الهدنات التي أعقبت العدوانات الثلاثة على القطاع، وكانت كل هذه الهدن تتحدث عن قطاع غزة فقط فيما القدس تتعرض لأبشع عملية تهويد في التاريخ والضفة الغربية تأكلها الجرافات يومياً. حتى صارت اللغة الدارجة في الخطاب اليومي «الضفة» و»غزة»، وحقيقة أن الانقسام تمثل في السيطرة على غزة بالقوة وبعدم تمكين حكومة الوفاق من السيطرة على غزة بعد تشكيلها، كل ذلك ساهم في «خصي» النقاش الوطني تجاه «حكم» غزة. من الطبيعي أن من يتربى في بيئة كهذه يترعرع على مثل هذه المفاهيم وتصبح هي قده وقديده في حروبه الدونكشوتية حول بطولات زائفة. فهو يشعر بأنه عمل شيئاً كبيراً إذا أهان الشعب أو قسطاً كبيراً منه، او مس تاريخه وبطولاته ورموزه.
القضية الأخرى أن التطرف لا يمكن له أن يقود إلا إلى تطرف آخر، أشد فتكاً. لا يمكن له أن يخلق مجتمعاً متسامحاً. لم يلتفت أحد إلى العمل الجبان الذي تم، أمس، بتلطيخ قبر محمد الأسود «جيفارا غزة «وأحد أهم رموز الكفاح المسلح في تاريخ القطاع. إن من فعل ذلك لا بد أنه تعلم في مدرسة الكراهية دون أن يعرف أن جيفارا غزة ورفاق دربه هم من جعلوا كلمة فلسطين ممكنة وهم من خطوا الطريق الذي لابد أنه يظنه أول من شقه في الصحراء.
القضية الأخرى التي أريد أن أقفل بها النقاش هي حقيقة أن لا شيء بلا حدود على وجه الأرض خاصة حيث يتعلق الأمر بشعب يناضل من أجل أن يعود إلى أرضه. من الصعب على كاتب أن يتحدث عن حدود الكتابة وعن التخوم التي لا يمكن القفز خلفها، لأن هذا ضد فعل الكتابة ذاته. لكنْ في الحقيقة ثمة التزام بالقضية الوطنية لا يمكن أن يكون أرخص ضحايا الحرية. لأن البعض قد يفهم حرية التعبير بطريقة خاطئة سواء كانت هذه الحرية في الكتابة أو الرسم أو الخربشة (كما فعل الشاب) أو البحث الأكاديمي. هناك ما هو أقدس من كل ذلك: فلسطين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سياقات الكراهية سياقات الكراهية



GMT 08:02 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

غزة امتحان لترامب

GMT 07:59 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

قلّة عددهم

GMT 07:56 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«الهلالُ» الذي «صبّح» إنجلترا

GMT 07:55 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«ألغام» في طريق هدنة غزة

GMT 07:53 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

مجتمع دير المدينة

GMT 07:51 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

الغباء البشري

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 04:42 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

حظك اليوم برج الدلو الأربعاء 07 مايو/ أيار 2025

GMT 11:38 2020 الثلاثاء ,12 أيار / مايو

سامسونج تنافس أبل في خدمات الدفع الإلكتروني

GMT 07:49 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 05:21 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

تعرّض اللاجئين "الروهينغا" للإجبار على تجارة "البغاء"

GMT 23:34 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

فوائد الرمان الصحية وكيفية دمجه في نظامك الغذائي

GMT 18:32 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان بكين السينمائي يرحب بقادة صناع الترفيه الأميركية

GMT 23:29 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة كريستينا ... وحرب «العم» بلفور
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday