«ديب سيك» كلحظة جيوسياسية
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

«ديب سيك» كلحظة جيوسياسية

 فلسطين اليوم -

«ديب سيك» كلحظة جيوسياسية

بقلم : نديم قطيش

 

لم تهدأ في وادي السيليكون وول ستريت وواشنطن ترددات الزلزال الذي أحدثه تطبيق «ديب سيك»، الصادر عن شركة صينية ناشئة غير معروفة. لا يقتصر الأمر على خسائر بلغت تريليون دولار، تكبدتها الأسواق المالية في غضون أيام قليلة من طرح التطبيق، ولا على حمى التنافس التكنولوجي بين أميركا والصين واقتراب الأخيرة من سد الفجوة مع الولايات المتحدة في معركة الذكاء الاصطناعي.

ما حدث ليس مجرد اختراق تكنولوجي، بل لحظة جيوسياسية حاسمة تعكس سعي الصين إلى تحقيق السيادة التكنولوجية بعيداً عن الهيمنة الغربية. فليست هذه التكنولوجيا بالنسبة إلى بكين مجرد صناعة، بل أداة حاسمة في تعزيز الأمن القومي والقدرة على منافسة النفوذ الأميركي في المجال الرقمي.

لسنوات طويلة، حافظت الولايات المتحدة على الصدارة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث كانت شركات مثل «أوبن إيه آي»، و«غوغل ديب مايند» و«ميتا» هي التي تحدد المعايير العالمية في هذا المجال، لتجد الآن أن تفوُّقها بات مهدداً.

فالرسالة التي بعثها التطبيق الصيني المنافس لمنتجات الذكاء الاصطناعي الرائدة في وادي السيليكون، والمطور بتكلفة أقل بكثير، تفيد بأن الصين لم تعد مجرد تابع في سباق الذكاء الاصطناعي، بل أصبحت منافساً قادراً على الابتكار وكسر القواعد التقليدية، وهو ما دفع الشركات الأميركية لإعادة النظر في استراتيجياتها واستثماراتها للحفاظ على تفوقها.

في هذا السياق أقر سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ«أوبن إيه آي»، بأن الشركة ربما أخطأت في تبنيها لنموذج احتكاري يخفي تفاصيل الكود المتعلق بتطبيق «تشات جي بي تي» لحماية الشركة من المنافسة وبسبب الخوف على أمن المعلومات. وسبب المراجعة هذه أن تطبيق «ديب سيك»، المفتوح المصدر، قادر نظرياً على جذب المطورين بعيداً عن البدائل المدفوعة أو البدائل الأعلى كلفة.

بيد أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تكنولوجية، بل سلاح استراتيجي متعدد الاستخدامات قادر على أن يغير قواعد اللعبة في الاستخبارات، والحروب السيبرانية، والتكنولوجيا العسكرية، واتخاذ القرارات القتالية بشأن الأسلحة التقليدية وغير التقليدية. وتتداخل في سياقات تطويره عمليات أمنية معقدة كالتي يتم التحقق منها الآن بعد طرح التطبيق الصيني. فهل استخدمت الصين التكنولوجيا الأميركية من دون إذن وهل دربت منتجها على بيانات مسروقة من النماذج الأميركية الشبيهة؟ وإن كانت الإجابة نعم، فهل وجّهت الصين صفعة لاستراتيجيات العقوبات الأميركية والقيود على أشباه الموصلات المصممة لكبح تقدم الصين في الذكاء الاصطناعي؟

كل ذلك جائز، علماً بأن الشركة المطورة لـ«ديب سيك» حصلت على 10.000 وحدة معالجة من «إنفيديا» قبل الحظر، الذي بدأته الولايات المتحدة عام 2022، لإبطاء تطور الذكاء الاصطناعي في الصين، ومن المرجح أنها وجدت طرقاً التفافية أخرى عززت موقفها مثل شراء الرقائق من السوق السوداء، أو تجنيد علماء في دول حليفة لأميركا.

في كل الأحوال تقر واشنطن بأن سباق الذكاء الاصطناعي لم يعد متعلقاً فقط بالحصول على أفضل الرقائق، بل حول كيفية استخدامها بفاعلية أكبر، وطريقة توظيفها، وأن تظل المعايير العالمية للذكاء الاصطناعي تحت سيطرة الولايات المتحدة. وهنا يبرز الهاجس الأميركي الأكبر بشأن خيارات الصين الاستراتيجية وما إذا قررت مثلاً استثمار قدراتها العقلية والمالية لتحسين كفاءتها في مجالات الذكاء الاصطناعي العسكري، وتعزيز جاذبيتها لاستقطاب الحلفاء لا الزبائن فقط، على نحو يعيد تشكيل التحالفات والمنافسات العالمية.

حتى الآن حظرت إيطاليا تطبيق «ديب سيك» بسبب مخاوف تتعلق بخصوصية البيانات، ومثلها فعلت ولايات أو جهات أميركية لدواعٍ أمنية وأخلاقية، بينما فتحت آيرلندا وبلجيكا تحقيقات مماثلة، مما يشير إلى احتمال توسع الرقابة الغربية في هذا المجال.

وبالتالي يعكس «ديب سيك» تسارع الانقسام الرقمي العالمي بين معسكر تقوده الولايات المتحدة وآخر تسعى الصين إلى ترسيخه بالتعاون مع دول مثل روسيا وإيران وبعض الدول الناشئة. ولا شيء يمنع من أن يصبح هذا النموذج جزءاً من منظومة ذكاء اصطناعي بديلة تستفيد منها دول تخضع للعقوبات الغربية أو تسعى إلى تجنب الاعتماد على نماذج الذكاء الاصطناعي الأميركية، ما يفتح الباب أمام إعادة رسم خريطة التحالفات الاقتصادية والتكنولوجية.

إلى ذلك، أطلق التطبيق الصيني جرس الإنذار بخصوص القيمة السوقية للشركات الأميركية التي بنت اقتصاد الذكاء الاصطناعي على قاعدة الاستثمارات الضخمة والبنى التحتية المعقدة. فظهور نموذج «ديب سيك» بكلفته المنخفضة يفتح الباب على تقويض قيمة الشركات الكبرى، والتشكيك في مدى استدامة النهج الأميركي العالي التكلفة.

تاريخياً شهد العديد من الصناعات تحولات كبرى مماثلة اقترنت بظهور بدائل أرخص ومساوية في الكفاءة مما أدى إلى إعادة تشكل الأسواق وإضعاف الشركات التقليدية. حصل ذلك في قطاعات السيارات والاتصالات والبرمجيات وأجبر عمالقة هذه القطاعات على إعادة هيكلة نماذج أعمالها، وحكم على بعضها بالخروج من السوق تماماً.

ما حققه «ديب سيك» ليس مجرد نجاح لشركة ناشئة، بل هو إنذار استراتيجي للولايات المتحدة، بشأن تقدم الصين السريع في مجال الذكاء الاصطناعي، كما بشأن عدم كفاية سياسات الاحتواء الأميركية مع تحول الذكاء الاصطناعي إلى الساحة الرئيسية للتنافس الجيوسياسي. إنها خطوة نحو إعادة تشكيل المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي، من خلال كسر احتكار الغرب لهذه التقنية وفرض نموذج جديد للسيادة الرقمية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ديب سيك» كلحظة جيوسياسية «ديب سيك» كلحظة جيوسياسية



GMT 08:02 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

غزة امتحان لترامب

GMT 07:59 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

قلّة عددهم

GMT 07:56 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«الهلالُ» الذي «صبّح» إنجلترا

GMT 07:55 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«ألغام» في طريق هدنة غزة

GMT 07:53 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

مجتمع دير المدينة

GMT 07:51 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

الغباء البشري

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 04:42 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

حظك اليوم برج الدلو الأربعاء 07 مايو/ أيار 2025

GMT 11:38 2020 الثلاثاء ,12 أيار / مايو

سامسونج تنافس أبل في خدمات الدفع الإلكتروني

GMT 07:49 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 05:21 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

تعرّض اللاجئين "الروهينغا" للإجبار على تجارة "البغاء"

GMT 23:34 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

فوائد الرمان الصحية وكيفية دمجه في نظامك الغذائي

GMT 18:32 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان بكين السينمائي يرحب بقادة صناع الترفيه الأميركية

GMT 23:29 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة كريستينا ... وحرب «العم» بلفور
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday