رحيل بنعيسى الذي يظنُّ مَنْ يعرفه أنَّه صديقُه الحميم
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

رحيل بنعيسى الذي يظنُّ مَنْ يعرفه أنَّه صديقُه الحميم!

 فلسطين اليوم -

رحيل بنعيسى الذي يظنُّ مَنْ يعرفه أنَّه صديقُه الحميم

بقلم : تركي الدخيل

كانَ رجلاً مختلفاً، لا يَعرفُ إلَّا أَنْ يَكونَ مِلءَ السَّمْعِ والبَصَرِ، أيّاً كَانَ الزَّمانُ والمَكانُ الذِي يَحِلُّ فِيهِمَا... وَبِالأمْسِ رَحَلَ عَنْ دُنْيَانَا، لَكِنَّهُ بِحُضُورِهِ الطَّاغِي، فِي حَيَاتِه وبَعْدَ مَمَاتِه، سَيبْقَى مِلْءَ السَّمْعِ وَالبَصَرِ، وَكَأَنَّهُ تَصْوِيرٌ عَمَلِيٌّ لِبَيْتِ أَبِي الطَّيّبِ المُتَنَبّي القَائِلِ:

وتَرْكُكَ في الدُّنْيَا دَوِيًّا كَأنَّمَا

تَدَاولُ سَمْعَ المَرْءِ أَنْمُلُهُ العَشْرُ

إنَّهُ وَزيرُ الخَارِجِيَّةِ المَغْرِبِيّ الأَسْبقُ، مُحمَّدُ بن عيسَى، الذِي تُوفِيَّ يومَ الجُمعَةِ المَاضِي، عَنْ 88 عَاماً، بَعدَ حَيَاةٍ حَافِلَةٍ بِحُضُورٍ سِيَاسِيّ لَافِتٍ، وتَأَلُّقٍ ثَقَافِيّ ثَابِتٍ، وَإنْسَانِيَّةٍ جَعَلَت الرَّاحِلَ شَخْصِيَّةً عَرَبِيَّةً تَحْظَى بِاحْتِرَامِ القَاصِي وَالدَّانِي، فِي المَجالَاتِ كَافَّةً، فقد كَانَ «له في كُلِّ عُرسٍ قُرص».

مِنَ المُفارقاتِ اللَّافتةِ وَاللَّطيفَةِ أَنَّ كلَّ مَنْ تَعَرَّفَ عَلَى مُحمَّد بن عيسَى اعْتَقَدَ أَنَّهُ صَدِيقُهُ الحَمِيمُ، من فرطِ لُطفِ الفَقيدِ معَ الجَمِيعِ، وفائقِ تهذيبِه، وجوامعِ أدبِه، وسمَاحةِ نفسِه.

(سي بنعيسى)، كَمَا يَكتُبُ المَغَاربَةُ، وَيَلفِظُونَ، كَانَ وزيرَ الثَّقافةِ فِي المَغربِ، سبعَ سنواتٍ سِمانٍ، من 1985 إلى 1992.

مُنِحَ محمدُ بن عيسَى في عامِ 1993 جائزةً تمثَّلتْ في اختيارِ العَاهلِ المَغربي السَّابق المَلكِ الحَسنِ الثَّانِي، له ليكونَ سفيراً للمغربِ لدى الولاياتِ المتحدة. وجَرْيًا علَى عَادتِهِ في التَّميُّزِ، حَقَّقَ بن عيسَى نَجَاحاً بَاهراً أهَّلَهُ لتمثِيلِ بلادِه في واشنطن، العاصمةِ الأهمّ عَالميّاً؛ سبعَ سنواتٍ سمانٍ أخرَى.

كانتْ مكافأةُ بن عيسى علَى نَجَاحِه في مَهمَّتِهِ الأميركيةِ، تعيينَه في أبريل (نيسان) 1999 وزيراً للخَارجيةِ بالمغرب، واستمرَّ في المنصبِ حتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2007.

محمد بن عيسى كانَ أيقونةً في دعمِ المدينةِ الصَّغيرةِ الوَادعةِ التِي وُلدَ فيهَا، ويَنتمِي إليهَا، وهيَ مدينةُ (أصِيلة)، التِي تَرقدُ بِسَلَامٍ علَى سَاحلِ البَحرِ الأبيضِ المُتوسّط.

والحَقُّ أنَّ بن عيسى جعلَ من أصيلةَ، مركزاً حضارياً، وموئلاً للثقافةِ والفنونِ وحوارِ الحَضاراتِ، منذ أسَّسَ هو وصديقُه الفنانُ المَغربيُّ الرَّاحلُ مُحمَّدُ المليحي، قبلَ نحوِ نصفِ قرنٍ، مهرجانَ أصيلةَ الثَّقافي الدَّولي، الذِي يَحتضِنُ كلَّ عامٍ فعالياتٍ ثقافيةً وفنيَّةً وحضاريةً، أهَّلتْهُ ليكونَ واحداً من أهمّ المهرجاناتِ الثقافيةِ في العَالمِ العَربِي وأفريقيَا.

وإذَا كانتْ مدينةُ أصيلةَ حاضرةً على خارطةِ المغاربة، فلقدْ وضعَهَا بن عيسَى رحمه الله، علَى خَارطةِ الثَّقافةِ، لا عَربِيّاً فَحسبْ، بلْ عَالميّاً، حيثُ تَبنَّى مهرجانُ أصيلةَ الثقافيُّ الدوليُّ، حواراتٍ فكريةً، أسهمتْ فِي تعزيزِ المُشتركِ الإنسَانِي، والتَّقاربِ الفكريّ والمَعرفيّ بينَ الشُّعوبِ.

مهرجانُ أصيلةَ، كانَ الابنَ المُدَلَّلَ للفقيدِ، وكانَ يديرُه ويشرفُ علَى تَفاصيلِه كافةً، وسَخَّرَ مُحمَّد بن عيسَى علاقاتِه السّياسيةَ والثَّقافيةَ لخدمةِ أصيلة، ومهرجانِها الثَّقافي، فأصبحتْ بحقٍّ مركزَ إشعاعٍ فكريّ ومَعرفيّ.

ورغمَ تخلّيه عن مناصبِه السّياسيةِ فِي آخرِ حياتِه، إلَّا أنَّه لم يَتخلَّ عن رئاسةِ بلديةِ أصيلةَ التِي يشغلُها منذ أنْ فازَ بهَا في الانتخابِ عام 1983 وبَقيَ يتولَّى هذه المسؤوليةَ حتى رحِيلِه، رَحمه الله.

وَتَحمِلُ حياةُ الفقيدِ جوانبَ لطيفةً مختلفةً، فهوَ علَى غيرِ العَادةِ وصلَ إلى وزارةِ الخارجيةِ المغربيةِ من بوَّابةِ الصّحافة، التِي قادَهُ عشقُه لهَا إلَى الرّحلةِ في طلبِ العِلمِ مبكراً، إذ سافرَ وهوَ ابنُ 16 ربيعاً إلى الإسكندريةِ لدراسةِ الصِّحافة. وفي عام 1961 نالَ منحةً للدّراسةِ الجامعيةِ في الولاياتِ المتحدة، حصلَ من خلالِها على بكالوريوس في الصّحافةِ من جامعةِ مينيسوتا عام 1963.

وكمَا لو كانتِ الفرانكفونية هي خيارَ المغاربةِ الوحيد، طوَى ابن عيسَى تحتَ ذراعة فرانكفونيته التي حازهَا رضاعةً، وأضافَ إليهَا الأنغلوسكسونيةَ التي كانتْ من معالمِ تَميُّزِه فِي المغرب.

ومِن لَطائفِ حياة ابنِ عيسى ومفارقاتِهَا أنَّ شغفَه قادَهُ ليسافرَ فِي رحلةٍ صحافيةٍ عامَ 1961، إلى الكويت (استقلَّتِ الكويت في 19 يونيو/حزيران 1961)، حيث أجرَى مقابلاتٍ صحافيةً مُهمَّةً، كانَ أبرزُها معَ الشَّيخ صباح الأحمدِ الجابرِ الصباح (أميرِ الكويت الرَّاحل)، الذِي كَانَ يتولَّى (حينَها) رئاسةَ دائرةِ المَطبوعاتِ والنَّشر (نواةِ وِزارةِ الإعلامِ بعد تشكيلِ مجلسِ الوزراء في 1962).

والمفارقة أنَّ محمد بن عيسى أصبحَ زميلاً لصباحِ الأحمد، بوصفِهمَا وزيري خارجية بلديْهمَا، منذ تولّي بن عيسى وزارةَ الخارجيةِ المغربية في أبريل عام 1999 إلى يوليو 2003، حيث تولَّى الشيخُ صباح رئاسةَ مجلسِ الوزراءِ وتخلَّى عن حقيبةِ الخارجية.

مُحمَّدُ بن عيسى، عاشقُ أصيلةَ، المولودُ بهَا في 3 يناير (كانون الثاني) 1937، كما احتضنتْ أصيلةُ مبادراتِه، سَتحتضِنُ جثمانَهُ الذي سَيدفَنُ فيهَا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل بنعيسى الذي يظنُّ مَنْ يعرفه أنَّه صديقُه الحميم رحيل بنعيسى الذي يظنُّ مَنْ يعرفه أنَّه صديقُه الحميم



GMT 08:02 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

غزة امتحان لترامب

GMT 07:59 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

قلّة عددهم

GMT 07:56 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«الهلالُ» الذي «صبّح» إنجلترا

GMT 07:55 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«ألغام» في طريق هدنة غزة

GMT 07:53 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

مجتمع دير المدينة

GMT 07:51 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

الغباء البشري

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 04:42 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

حظك اليوم برج الدلو الأربعاء 07 مايو/ أيار 2025

GMT 11:38 2020 الثلاثاء ,12 أيار / مايو

سامسونج تنافس أبل في خدمات الدفع الإلكتروني

GMT 07:49 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 05:21 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

تعرّض اللاجئين "الروهينغا" للإجبار على تجارة "البغاء"

GMT 23:34 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

فوائد الرمان الصحية وكيفية دمجه في نظامك الغذائي

GMT 18:32 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان بكين السينمائي يرحب بقادة صناع الترفيه الأميركية

GMT 23:29 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة كريستينا ... وحرب «العم» بلفور
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday