جائحة «الوحدة»
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

جائحة «الوحدة»

 فلسطين اليوم -

جائحة «الوحدة»

بقلم : سوسن الأبطح

إذا كنت تفترض أن الذكاء الاصطناعي، هو لتأدية مهمات مهنية، أو تقنية، فإن واقع الحال، هو عكس ذلك، تماماً. تبيَّن أن أكثر من نصف مستخدمي البرامج الذكية من صنف «تشات جي بي تي» و«ديب سيك» و«مانوس» وغيرها، يرون فيها بالدرجة الأولى، الرفقة المحببة، والتواصل العاطفي المأمون الجانب، إضافة إلى الطبابة النفسية. ففي زمن التوحد والتوحش، يفضل الإنسان أن يفضفض للآلة، يستشيرها، ويأنس إليها على أن يلجأ إلى صديق أو أحد أفراد العائلة. وإذ ما تأزمت النفس، وضاق الصدر، فلا بأس باستشارة نفسية من طبيب افتراضي. ساعد على ذلك توفر الخدمة الصوتية. حتى أن بعض الأزواج يلجأون إلى تقنية الذكاء الاصطناعي لحل مشاكلهم، ويعجبون بأن لها حساسية على تحليل نبرة الصوت، وفهم ما وراء الكلمات. هذا ما أسروا به للباحث مارك زاو ساندرز، أثناء إجرائه دراسة نشرها في «هارفرد بزنس رفيو» وبحث فيها عن أهم الأغراض التي يستخدم الناس لأجلها الذكاء الاصطناعي اليوم، ورتبها بحسب أولويتها لدى المستخدمين.

جاءت النتائج مختلفة بشكل لافت عن دراسة مثيلة أجراها العام الماضي. وجد أن المستخدمين صاروا أكثر رومانسية وعاطفية، وانسجاماً مع هذه الروبوتات؛ ما كانوا عليه قبل أشهر فقط. فقد باتوا يعتمدونها بصفتها «طبيباً نفسياً» أو «صديقاً حميماً» لمواجهة الضغوط العاطفية، بينما تراجعت استخداماتها في المهام الروتينية والعملية.

الظريف أن الوظيفة الثانية بعد الرفقة والاستشارة النفسية، التي يفضلها عشاق هذه البرامج، وعددهم يتزايد بشكل كبير بحيث يفوق رواد برامج التواصل، هي «تنظيم الحياة»، كرسم جدول لبرنامج يومي، أو ترتيب نظام العمل. وجاء بالدرجة الثالثة «تحديد الهدف» أو العثور عليه، والمساعدة في بلورة الرؤية الشخصية لأمر ما. وهذا استخدام لم يكن أولوية السنة الفائتة.

نتائج أثارت ما يشبه الصدمة. فالشائع أن المرء يستخدم برامج ذكية ليصل إلى معلومات لا لإقامة علاقات ودية. لكن يتضح أن الرابط بات حميمياً، والألفة خلقت حبلاً عاطفياً بين السائل والمجيب، ولو كان مجرد صوت رقمي.

الرومانسية الوليدة بين البشر وآلتهم، دفعت مارك زوغربيرغ الذي لن يترك فرصة إلا ويستثمرها لجني المال، لأن يركز في «ميتا» على إنجاز برامج تعطي أولويتها لسد هذه الحاجات النفسية والشعورية بشكل خاص، وتلبي العطش العاطفي لذوي النفوس المعذبة والحائرة. ويرى أن شركته هي الأمهر في القيام بهذه المهمة؛ ذلك لأنه جمع من البيانات، بفضل «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»؛ ما يؤهله ليكون طبيب المعذبين والباحثين عن أنس. فمن أقدر منه على فهم سيكولوجيا مشتركيه، هو الذي أحصى خلجات نفوسهم ونبضات قلوبهم، وبات يعرف ما سيفكرون به قبل أن يمرّ في خاطرهم.

زوغربيرغ بين الأوفر حظاً صحيح، لكنه ليس وحيداً في الساحة. التطبيقات الصينية لوسائل التواصل جمعت بيانات أكثر من مليار ونصف المليار شخص على مدى سنوات طويلة ماضية. وهي من الحنكة بحيث شرّعت برامجها التوليدية الذكية، الجديدة، بالمجان؛ ما يتيح لها جمع أكبر قدر من المعلومات السلوكية، بأقصر وقت، وتعليم نفسها بسرعة. فالمجانية يقابلها الإقبال الكثيف. والشبان الصينيون بدأوا حملة على «تيك توك» ترشدك إلى تطبيق صيني مجاني مقابل كل تطبيق أميركي مماثل، مدفوع، للفوز بأكبر عدد من الرواد، وجمع أدق البيانات.

اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي بهدف تحفيز الإبداع، أو البحث عن معلومات معرفية، وكتابة نصوص، كلها أمور تأتي في ذيل الاستخدامات.

في زمن غربة الإنسان عن أخيه الإنسان، نصف المستخدمين هدفهم فك العزلة الذاتية، وطلب النصح حيث يغيب الصوت البشري المقابل.

تحولات درامية، صارت مصدر وحي، ومنبع رزق مغرياً، لصناع التكنولوجيا، ليصمموا المزيد من المنتجات التي تجاري بؤساء العصر. لهذا؛ يرى الرئيس التنفيذي لـ«مايكروسوفت» جاريد سباتارو أن الرواج سيكون من نصيب منتجات ذكية، تعمل بصفتها مساعداً شخصياً للإنسان. ترسل البريد الإلكتروني، تتبادل الدردشات مع أصدقائه بدلاً منه، ترتب الملفات، تحرره من روتين العمل، وتكون بمثابة شريك فكري وعاطفي أيضاً.

بكلام آخر، لم يعد الجوال أو اللوح الإلكتروني، أو الجهاز المحمول وسائل اتصال وربط مع الآخر، كما أشيع عنها، بقدر ما حولها الذكاء الاصطناعي تدريجياً، إلى أدواتنا المفضلة للتواصل مع أنفسنا أو أشباحنا الخفية. أي أنك تبوح لهذه الأجهزة، بما تخجل أن تعترف به لأقرب أحبائك. أما الخوف على الخصوصية، فالجيل الجديد يسخر من وساوسنا، ويسألون: ماذا بقي لنتحفظ عليه بعد أن صاروا يعرفون كلماتنا السرية، ومضمون مراسلاتنا، وطبيعة المعلومات التي نبحث عنها وحتى أرقام بطاقاتنا وحساباتنا البنكية. فهل بقي ما يستحق حمايته والتضحية من أجله؟

إنها جائحة «الوحدة» التي تهدد البشرية وتعصف بها، كما لم يضربها مثلها من قبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جائحة «الوحدة» جائحة «الوحدة»



GMT 08:02 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

غزة امتحان لترامب

GMT 07:59 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

قلّة عددهم

GMT 07:56 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«الهلالُ» الذي «صبّح» إنجلترا

GMT 07:55 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«ألغام» في طريق هدنة غزة

GMT 07:53 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

مجتمع دير المدينة

GMT 07:51 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

الغباء البشري

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 04:42 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

حظك اليوم برج الدلو الأربعاء 07 مايو/ أيار 2025

GMT 11:38 2020 الثلاثاء ,12 أيار / مايو

سامسونج تنافس أبل في خدمات الدفع الإلكتروني

GMT 07:49 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 05:21 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

تعرّض اللاجئين "الروهينغا" للإجبار على تجارة "البغاء"

GMT 23:34 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

فوائد الرمان الصحية وكيفية دمجه في نظامك الغذائي

GMT 18:32 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان بكين السينمائي يرحب بقادة صناع الترفيه الأميركية

GMT 23:29 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة كريستينا ... وحرب «العم» بلفور

GMT 10:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

14 وفاة و1088 إصابة جديدة بفيروس كورونا في فلسطين
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday