الشعوذة الصحافية
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

الشعوذة الصحافية

 فلسطين اليوم -

الشعوذة الصحافية

بقلم : ممدوح المهيني

 

في مقال سابق بعنوان «هل يهزم الذكاء الاصطناعي الصحافيين؟»، أشرت إلى أن ذلك قد يكون مهمة شبه مستحيلة. لا يمكن أن يجسّد الذكاء الاصطناعي جوهر العمل الصحافي. لا يمكن أن ترسله إلى ساحة الحرب، ولا يمكن أن يبني علاقة مع مصادر سرية تزوّدك بالمعلومات، ويصعب عليه أن يلعب دور محاور شرس أمام سياسي مراوغ. لكنه بالتأكيد سيلعب دوراً حاسماً في العمليات التقنية والآلية. سيسّهل من القدرة على العمل اليومي الآلي ذي الطبيعة المتكررة، ويسهل عملية الإنتاج والبحث والرصد، ويخفض التكلفة ويرفع الجودة.

لكن هذا لا يعني أن الصحافيين ملائكة، بل إنها مثل كل مهنة أخرى تتعرض للاستغلال، ويدخل فيها المنتفعون والمشعوذون والمؤدلجون والمندفعون والباحثون عن الثراء، وتنحرف عن مسارها المهني، وتسيطر عليها الأهواء والمشاعر القوية المنحازة بدل الرؤية الواضحة. وقد شهدنا في الإعلام الغربي والعربي نماذج على مثل هذا التخبط، عندما تسبق العاطفة العقل، وتستبدل العقيدة الفكرية المتصلبة المنطق، وتحلّ الشعبوية وهتاف الجماهير مكان المهنية والموضوعية.

من النماذج ما نراها الآن في الإعلام الأميركي الذي يعيش هذه الأيام صدمة ما بعد انتخاب الرئيس ترمب للمرة الثانية. ولا يمكن التقليل من براعة وحرفية هذا الإعلام عبر العقود، حيث يجمع بين المهنية والجاذبية، لكنه انحرف في السنوات الأخيرة عن مساره لدرجة أن تحوَّل مثار سخرية من إيلون ماسك الذي يروّج على أن حسابه في «إكس» هو الميديا الحقيقية. و«إكس» بالطبع ليس صحافة، فهو ساحة صاخبة مفتوحة لكل الآراء الرصينة والمضطربة، لكن كلامه يكتسب مصداقية عالية بسبب النهج الخاطئ الذي سلكته وسائل الإعلام في الأعوام الأخيرة، خصوصاً منذ أن وصل دونالد ترمب للسلطة للمرة الأولى. مدفوعة بالكراهية العميقة له، تنازلت هذه الصحافة عن مُثلها وقدرتها على التوازن، وهي تدفع الثمن الغالي الآن، حيث تشير الاستطلاعات إلى تراجع الثقة بها لدى المتابع الأميركي.

استخدمت وسائل الإعلام أساليب الشعوذة الصحافية التي تعتمد على المصادر المجهولة بشكل مبالغ فيه، وتخلط الحقائق بالأكاذيب، وتخرج القصص من سياقها. لقد بدا أنها مدفوعة برغبة في الانتقام أكثر من البحث عن الحقيقة. في مثل هذه الأجواء المحمومة تحوَّل الصحافيون ناشطين، وتسابقوا إلى إسقاط الرئيس ترمب وكل من يقترب منه. ولا يعني هذا أن ترمب لم يرتكب أخطاء وهفوات متكررة، إلا أنه يجب أن يعامَل صحافياً بعدالة ليس من أجله، لكن من أجل المحافظة على قيمة المهنة نفسها ومبادئها. وبسبب هذا الاندفاع رأينا كيف تبنَّت وسائل إعلام عريقة وصحافيون بارعون قضية التواطؤ بين ترمب والروس، التي تحوَّلت عناوين رئيسية في المحطات والصحف. وأُدِين المتهم قبل أن يقول القضاء كلمته التي انتهت بعد تحقيق روبرت مولر الذي كلف أكثر من 500 مليون دولار إلى أن الاتهامات لا تستند إلى حقائق، وأنها مجرد اتهامات كيدية. كما ظهرت قصة التقرير الذي كان خلفه كريستوفر سيل وهو جاسوس بريطاني، وتم اعتمادها على أنها وثيقة أصلية لا تقبل الشك، لكنها كانت مفبركة متقنة وحيلة سياسية من خصومه. حتى وسائل الإعلام التي اصطفت إلى جانب ترمب تحوَّلت منصةً دعائية له. وبسبب خوفها من خسارة النسبة العالية للمشاهدة التي يحققها مناصروه تبنَّت كل التفكير المؤامراتي الذي يردّدونه، من ضمنها مؤامرة اللقاح، وجائحة «كوفيد»، وتزوير الانتخابات. تحوَّل الصحافيون جوقةً من المريدين والمحازبين.

وليس ترمب وحده، لكن شخصيات كثيرة تلقت المعاملة ذاتها غير العادلة من الصحافة. إيلون ماسك نفسه بسبب مواقفه السياسية والثقافية المحافظة في السنوات الأخيرة تحوَّل هدفاً، وتعرَّض لمحاكمات أخلاقية وتضييق على منصته، واتُهم بتعاطي المخدرات بغرض تحطيم صورته. وهذا أحد أسباب غضبه من الإعلام وموقفه المعادي للمؤسسات الصحافية التي تعاملت معه بلؤم وقلة احترام. والآن مع عودة ترمب للرئاسة من جديد وبطريقة لا يمكن التشكيك فيها تواجه الصحافة أزمة مصداقية لأنها عملت جاهدة على الدفاع عن كامالا هاريس وحمايتها وإغراق خصمها في الوحل. وفي سياق هذه الحملات المكشوفة التي جعلت كاتباً صحافياً مرموقاً يكتب أنه انفجر بالبكاء بعد المناظرة الأولى بين بايدن وترمب؛ خشية أن يعود الرئيس السابق بعد الأداء الباهت لبايدن، وطالبته أن يتنحى ليترك الفرصة لنائبته لخوض سباق الرئاسة.

ومع عودة ترمب يثبت أن الاندفاع نحو الأهواء الآيديولوجية والانحيازات الشخصية يدمر العمل الصحافي ولا يترك له إلا القليل من المصداقية. وفي الإعلام العربي الوضع ليس أحسن حالاً بكل تأكيد. تستخدم أساليب الشعوذة الصحافية بطريقة سافرة، وتقدم معلومات خاطئة وكأننا لم نغادر عام 1967 الذي مثَّل ضربة قاصمة للإعلام العربي بسبب حالة الخداع والتخدير الكبير التي روَّج لها. في الإعلام الحقائق والمعلومات مقدسة، لكن يتم تجاهلها واختراع عالم موازٍ قائم على الأمنيات والعواطف. ومن الضروري فضح كل جرائم الإبادة والحروب الوحشية، لكن يجب ألا تعمل الصحافة على المتاجرة والتضحية بالمدنيين الأبرياء، وحجب أصواتهم بشكل كامل من أجل أحزاب سياسية وآيديولوجيات فكرية.

الالتزام بالقيم المهنية والمبادئ الصحافية (قدر الإمكان) هو العاصم من هذه الانهيارات التي نشعر بها تحت أقدامنا. فصل المعلومة عن الرأي والعاطفة عن الواقع هو المبدأ الذي لا يشيخ في الصحافة. اترك الحقائق تتحدث عن نفسها لأن صوتها أقوى. ضعها أمام الناس ودعهم يشكّلوا آراءهم وانطباعاتهم الشخصية. الانصياع للصيحات الشعبية الغاضبة والاندفاع قد يعجب الجماهير، لكنها مسألة وقت حتى تنقلب عليك وتلاحقك بالحجارة بتهمة الكذب عليها وخداعها وتضليلها وبيعها حفنة من الأوهام المنمقة والأحلام السعيدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشعوذة الصحافية الشعوذة الصحافية



GMT 08:02 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

غزة امتحان لترامب

GMT 07:59 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

قلّة عددهم

GMT 07:56 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«الهلالُ» الذي «صبّح» إنجلترا

GMT 07:55 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

«ألغام» في طريق هدنة غزة

GMT 07:53 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

مجتمع دير المدينة

GMT 07:51 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

الغباء البشري

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 04:42 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

حظك اليوم برج الدلو الأربعاء 07 مايو/ أيار 2025

GMT 11:38 2020 الثلاثاء ,12 أيار / مايو

سامسونج تنافس أبل في خدمات الدفع الإلكتروني

GMT 07:49 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 05:21 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

تعرّض اللاجئين "الروهينغا" للإجبار على تجارة "البغاء"

GMT 23:34 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

فوائد الرمان الصحية وكيفية دمجه في نظامك الغذائي

GMT 18:32 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان بكين السينمائي يرحب بقادة صناع الترفيه الأميركية

GMT 23:29 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة كريستينا ... وحرب «العم» بلفور
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday