كورونا والقرية الكونية
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

"كورونا" والقرية الكونية

 فلسطين اليوم -

كورونا والقرية الكونية

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

من المبكر التنبؤ بالعواقب السياسية والاقتصادية لأزمة فيروس كورونا، والحديث أن القرية الكونية، باتت من الماضي، بينما نحن في منتصف الطريق، في مواجهة عدو غير مرئي، رغم وجود مؤشرات بفتح الاقتصاد في أكثر من بلد، مع الإبقاء على سياسة التباعد الاجتماعي. و"كورونا" ليس القاتل أو السفاح الوحيد في العالم، ولا يعد شيئاً مهولاً قياساً لما كان يحدث قبله من حالات القتل والموت في مختلف البلدان، خاصة التي تعاني الفقر وتدني الخدمات الطبية، فضلاً عن ضحايا الحروب وضحايا المجاعات والقحط والكوارث الطبيعية كالفيضانات والحرائق وضحايا حوادث السير.

غير أن أزمة كورونا مثلت اختباراً صارما، لكفاءة نظم الحكم الليبرالية والسلطوية، والنظم الديمقراطية، والديكتاتورية على السواء في الاستجابة لمحنة اجتماعية شديدة الوطأة، واختباراً لقدرات المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة، بل واختباراً للقيم السياسية والقوى التي تتبناها. وربما يكون مفاجئاً القول، إن الدول السلطوية، أظهرت كفاءة في احتواء الفيروس، مقابل ارتباك الديمقراطيات.

ويمكننا القول، إننا نشهد مخاض عالم جديد، سيخضع كل ما كان قبله، من الأيديولوجيات المتناحرة إلى القوى السياسية إلى القادة إلى أنظمة التماسك الاجتماعي، كل ذلك سيخضع لعملية إعادة تقييم وسيمثل في قفص المحاكمة أمام الرأي العام العالمي، ولا مجال للعودة إلى مرحلة ما قبل كورونا، كأن شيئاً لم يكن. وفي تقديرها لتأثيرات فيروس كورونا المحتملة على السياسة الدولية، تقول "مجموعة الأزمات الدولية" "يمكننا الآن أن نميز بين رؤيتين متنافستين، إحداهما تقول إن الدرس المستفاد من أزمة فيروس كورونا هي أن الدول يجب أن تتعاون وتتكاتف من أجل تجاوز الأزمة على نحو أفضل، والأخرى ترى أن على كل دولة أن تنأى بنفسها عن بقية الدول كي تحمي شعبها من المخاطر الواردة من الخارج"، بحيث أصبحت "العزلة " في مقابل العولمة قضية كبرى تنتظر الحسم.

لقد شكلت السياسات النيوليبرالية، مثل التجارة الحرة والخصخصة، احد العناصر الأساسية "لروشتة" العولمة، التي كان مطلوباً من البلاد النامية تطبيقها سريعاً بصرف النظر عن ظروفها الثقافية، وقدراتها التنافسية. وافتتحت الأسواق وأصبحت سلاسل التوريد عالمية، وظهرت الطبقات الوسطى. ومع تنامي معدلات وسرعة عجلة العولمة الدولية، مدفوعة بتطورات تكنولوجية هائلة في مجال الاتصالات ونقل المعلومات، تشكل تحدياً حقيقياً للاستقرار والهوية التقليدية.

وتخوف البعض في الدول المتقدمة من منافسة الأسواق الأكثر كفاءة والعمالة الأقل تكلفة، وكانت هناك ردود فعل متزايدة ضد التدفق الحر للمعلومات والأفكار والأموال والوظائف. فظهرت تيارات انعزالية ويمينية متعددة في الغرب والشرق والشمال والجنوب، وتنامى التوجه الشعبي والوطني نحو التركيز على المصالح الشخصية على حساب المجتمعية والوطنية وعلى حساب الإقليمية، والإقليمية على حساب المصالح الدولية والعالمية. وكان الأبرز، تنامي النزعة الشعبوية وهو نهج سياسي يقوم على حماية مصالح أهل البلاد الأصليين وتقديمها على مصالح المهاجرين، وكانت النتيجة تشديد قواعد الهجرة، والحواجز الجديدة أمام التجارة والاستثمار، والتركيز الجديد على سياسة الوطن أولاً.

ووضع فيروس كورونا النظام العالمي السائد أمام صحوة الصدمة، وفرض عليه مناقشة كل إجراءاته وأنظمة عمله وأولويات اهتماماته، وانه ـ أي كورونا ــ صاحب القرار في التغيير الحتمي لمجموع النظم الاقتصادية العالمية، ومنظومتها السياسية والاجتماعية والثقافية، على أن يتم تذكر فيروس كورونا على أنه كان معْلماً هاماً على طريق إنهاء المرحلة الأولى من العولمة.

ولكن ذلك لا يعني أن فيروس كورونا سيقضي على العولمة- على الأقل لن يحدث ذلك إذا ما تحدثنا عن العولمة على أنها أمر أكبر من مجرد سلاسل التوريد عبر القارات وسفن الحاويات الضخمة. وعلى النقيض من "الكساد العظيم" في ثلاثينيات القرن الماضي، لم تسفر الأزمة المالية في 2008-2007 عن تراجع في معدلات التجارة العالمية أو الاستثمار. وإذا كان هناك تأثير قد وقع بالفعل، فهو أن الأزمة أجبرت صناع السياسات في العالم على أن يدركوا أن الاعتماد المتبادل يتطلب المزيد من التنسيق على المستوى العالمي. وهذا ربما ما سوف يحدث في مرحلة ما بعد "كوورنا".

ولذلك ليس دقيقاً الحديث عن نهاية العولمة، بقدر الحديث عن "هشاشة العولمة" فالعولمة، خاصة في وجهها الاقتصادي، بلغت مديات لم يعد بالوسع العودة عنها، ولكنها اليوم تتعرض لاختبار حقيقي حول مدى صلابتها وقدرتها على تحدي الصعاب الماثلة. ولكن الأهم هو بوادر لتغيير البوصلة السياسية للعولمة من الغرب والاتجاه شرقاً. فلطالما احتفى العالم بظاهرة العولمة على اعتبار أنها جعلت العالم بمثابة قرية صغيرة، ومكَّنت دول العالم المتقدم - ممثّلةً في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية- من نشر مبادئ الديمقراطية، وقيم الحرية، والتضامن والتكامل، واحترام حقوق الإنسان. وكان التحدي الرئيسي الذي تواجهه العولمة كما جرى تصويره، هو انبعاث الدعوات القومية الشعبوية، والنزعات الدينية المتطرفة، كرد فعل على مظاهر العولمة؛ لكن لم يتصور أحد أن يمثل ظهور فيروس في الصين، وانتشاره وتحوله إلى وباء عالمي، تحدياً بارزاً للعولمة. فالدول الغربية التي اتسمت دائماً بدعم مظاهر العولمة والانفتاح على العالم، تحولت في مواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد إلى الانغلاق والانعزال واتخاذ خطوات حمائية، في مقابل قيام الصين بأخذ زمام المبادرة والانفتاح لتقديم المساعدات اللازمة، باعتبارها نموذجاً ناجحاً في مواجهة أزمة تعجز الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن التعاطي معها.

وختاماً، وعلى النقيض من مراد العولمة في جعل "قريتنا الصغيرة" عالماً واحداً، فإن فيروساً متناهي الصغر فتك بهذا الوهم وأعاد عالمنا الكبير إلى حقيقته وهو مجموعة من العوالم القائمة بذاتها، شئنا أم أبينا. نعم سيبقى الشرق شرقاً والغرب غرباً، روحياً وفكرياً واجتماعياً. وسيبقى في كل قرية شمالاً وجنوباً فيما يخص امتلاك الثروة وأدوات الإنتاج ومنها المعرفة والثقافة.

قد يهمك أيضا :

 عن مناعة القطيع !

عن وباء يحتوي العالم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كورونا والقرية الكونية كورونا والقرية الكونية



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 07:29 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء ممتازة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 01:28 2025 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

حظك اليوم برج السرطان الإثنين 02 يونيو / حزيران 2025

GMT 15:53 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلان يسعى إلى تدعيم صفوفه بلاعبين جدد

GMT 09:59 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس مرسيدس يؤكد أن فرستابن يحتاج لتعلم الكثير

GMT 08:53 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

قوات الاحتلال تطارد فلسطينيًا في العيسوية

GMT 11:02 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الصحة تعلن 4 حالات وفاة و516 إصابة جديدة بكورونا و613 حالة تعافٍ

GMT 22:47 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أفكار مبتكرة لتنسيق شرفة منزلك

GMT 15:29 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الاثيوبي أباتي يتوج بلقب ماراثون هامبورج

GMT 14:59 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

باخ يدعو تايجر وود للمشاركة بأولمبياد طوكيو 2020

GMT 20:55 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

لاعب منتخب كرة السرعة يتمنى أن تصبح اللعبة أولمبية

GMT 17:43 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الترجي يأمل مواجهة الصفاقسي بنهائي البطولة العربية للطائرة

GMT 05:38 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا توضّح حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday