سورية وسؤال العودة والاندماج
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

سورية وسؤال العودة والاندماج

 فلسطين اليوم -

سورية وسؤال العودة والاندماج

بقلم :هاني عوكل

ليس مبالغة حين يوصف النزاع السوري بأنه من أصعب النزاعات دموية ووحشية في عالم اليوم، فهو عدا عن أنه نزاع دولي إقليمي محلي، فقد شهد مخرجات مأساوية حلت كارثية على الشعب السوري الذي وصل عدد قتلاه منذ بدايات النزاع في عام 2011 إلى يومنا هذا ما يزيد على 470 ألف قتيل.

نصف عدد السوريين تقريباً موزع بين نازح ولاجئ خارج بلادهم، وأما عن فاتورة النازحين فهي تتجاوز الستة ملايين شخص، بينما هناك أكثر من 5 ملايين لاجئ يعيشون في دول كثيرة، أهمها دول الجوار مثل الأردن وتركيا ولبنان والعراق ومصر.

اللافت للنظر أن عدد العائدين السوريين إلى مساكنهم هذا العام أكثر من 600 ألف شخص، وهذا الرقم يتداخل فيه تصنيف اللاجئ والنازح، ذلك أن العائدين من خارج سورية أقل بكثير من أولئك الذين نزحوا من ديارهم وعادوا إليها ويتخطون نصف مليون شخص.

أسباب العودة هذه حسب المنظمة الدولية للهجرة تعود لعوامل كثيرة، منها أن أشخاصاً كثراً غير قادرين على التأقلم مع ظروف معيشية صعبة تساوي تلك التي يعيشونها تقريباً في بلدهم، باستثناء عامل الأمان، وهناك آخرون متخوفون من أوضاع ممتلكاتهم، إلى جانب أن عدداً آخر لم يتمكن من الاندماج في الوسط الذي يعيش فيه. على أن التفسير الأهم للعودة يتعلق بالمكاسب التي تحققها القوات الحكومية السورية في استعادة السيطرة على مناطق مثل حمص وحماة وحلب والعودة النسبية للهدوء في مربعها، ذلك أن نصف هؤلاء النازحين واللاجئين البالغ عددهم الإجمالي 600 ألف شخص، عادوا إلى محافظة حلب الواقعة في الشمال السوري.

بطبيعة الحال هناك من عاد إلى حماة وآخرون إلى حمص، لكن تبقى هذه العودة مؤقتة ومرتبطة بالأوضاع الراهنة، فلم يتوقف النزاع السوري إلى هذه اللحظة، أما بخصوص مناطق خفض التوتر التي يبلغ عددها ثلاثاً والتي تقع في وسط وجنوب سورية، فإنها غير قادرة على تحمل حركة نزوح كبيرة إليها.

إن تركيبة الحركة الديمغرافية السورية مرتبطة أساساً بواقع النزاع الحاضر، ولذلك فإن الحديث عن عودة آلاف السوريين إلى مساكنهم، قد يقابله نزيف سكاني إما لجهة النزوح الداخلي أو اللجوء إلى خارج الأراضي السورية، مع العلم أن النزاع السوري لا يزال على أشده، وهناك علاقة طردية بين الحرب وتأثيرها على رأس المال البشري.

أكثر ما يقلق في هذا الأمر، أن سورية التي تمتلك خبرات وكفاءات مواطنة متنوعة ولها بصمات حاضرة في عموم المشهد السوري، هذه الخبرات لم تعد موجودة كما كانت من قبل، وجرى توطينها في دول أوروبية كثيرة فتحت أبوابها لاستقطابها وإدماجها سريعاً في النسيج الاجتماعي الأوروبي.

أغلب الظن أن هؤلاء سيكون من الصعب عليهم العودة إلى ديارهم، تحت ضغط المغريات التي تتوفر لهم من قبل الدول التي تبنتهم وفتحت أبوابها لهم، ثم إن ملايين السوريين الذين هاجروا إلى الدول الأوروبية الغنية و»المرتاحة» هم في «خانة اليك» إذا ما هدأت الأوضاع في سورية.

والحال أن النزاع يعني دفع تكاليف جد باهظة، فمن توطن في الدول الأوروبية وحصل على جنسياتها لن يكون سهلاً عليه مغادرة تلك البلدان، خصوصاً أولئك الذين يعملون أو من يمتلكون دخلاً جيداً من قطاع خاص أو عام ينظر إليهم على أنهم جزء مهم من التنمية وحركة تطور المجتمع.

ثم إن التحدي الأهم والأكبر له علاقة بتصنيف مع النظام السوري وضد النظام، فهذا الانقسام المجتمعي الذي قد يمتد إلى انقسام طائفي، له تداعيات خطيرة على النسيج الاجتماعي، الأمر الذي يعني بالضرورة تغيراً في طبيعة الحركة الديمغرافية من جهة اللاجئين والنازحين.

وفي حقيقة الأمر من الصعب الحديث عن مصالحة مجتمعية بكبسة زر، حتى لو جرى تسوية الأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية أو حتى العسكرية، ولو حدث أن انتهى النزاع ووضعت الحرب أوزارها، فإن مسألة المصالحة الوطنية بحاجة إلى أعوام طويلة حتى يمكن طي صفحتها بشكل كامل.

إذن موضوع الأزمة السورية يتجاوز البعد السياسي والدولي، ففي نهاية المطاف لا يهم الدول الكبرى المنخرطة في النزاع السوري كم هو عدد القتلى السوريين والجرحى وحجم المنازل المدمرة، ولا يهمها الأوضاع الكارثية التي يعيشها النازحون ولا حتى عددهم، إنما يهمها العنوان الرئيسي: المنتصر والمهزوم.

إذا أرادت سورية أن تقف على أرجلها ثانيةً وتعيد استنهاض قدراتها، فإن عليها أن تنظر ببالغ الأهمية إلى رأس مالها البشري، إذ من الحكمة التركيز على مجموع رأس المال البشري الوطني، وليس تحييد فئات على حساب أخرى بدعاوى مذهبية أو أيديولوجية.

في هذه الأوقات الصعبة التي لا تحضر فيها سوى لغة النزاع والقوة العسكرية، لا أحد ينظر إلى السوريين بعين الأهمية، فهؤلاء مجرد ضحايا وأرقام تتزايد، والذي يأخذ كل اهتمام فرقاء النزاع السوري هو تحقيق اختراق عسكري نوعي من شأنه أن يؤثر إيجاباً على أوضاعهم السياسية والعسكرية.

المحصلة أن سورية مهما يقودها أي نظام كان، ستخسر إذا لم تراهن على الإنسان والمواطن السوري، وستخسر إذا لم تتمكن بالفعل من إجراء مصالحات وطنية حقيقية تسير بالتوازي مع أي مسار سياسي، لأن الحديث عن إنهاء النزاع والعودة عن الانقسام الداخلي، يستلزم إعادة الاعتبار للنسيج الاجتماعي على أسس وطنية عنوانها الهوية العربية.

نعم تحتاج الدولة السورية إلى انخراط نسيجها الاجتماعي ورأس مالها البشري في إعادة إعمار البلاد بعد أن يتوقف النزاع، فالأجدر أن تتكفل السواعد الوطنية ورأس المال الوطني ببناء البلاد، وليس التركيز على إعادة الإعمار من الخارج، خاصةً وأن رأس المال الأجنبي يقود بالضرورة إلى التبعية السياسية والاقتصادية.

تحتاج البلاد إلى مشروع «مارشال» سوري وطني لإعادة إعمارها، فهذا المشروع إذا أُحسن صياغته وترسيمه كفيل بعودة أغلب السوريين، فإذا تضافرت كافة الجهود التي تؤدي في النهاية إلى توقف النزاع وتشكيل نظام سياسي مرن يلبي تطلعات السوريين، مع تحقيق مصالحات وطنية ومجتمعية حقيقية، والنفير بالباع والذراع لإعادة بناء سورية على قواعد اقتصادية وطنية متينة، فلعل ذلك يُعجّل من عودة البلاد إلى سابق مجدها، ويختصر أوقات طويلة حتى تتحول من دولة ضعيفة إلى قوية. 

سبق وأن نجحت سورية في امتحان الهوية العربية، الذي خرجت منه بعلامة كاملة مستحقة عن جدارة، فهي التي حافظت على هويتها العربية الأصيلة وحصّنتها بالفكر الوطني وحاضنة قومية عروبية وحدوية، والمُؤمّل أن تعود سورية إلى الواجهة من جديد، برأس مالها البشري الوطني عنوانه «أمة عربية واحدة».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية وسؤال العودة والاندماج سورية وسؤال العودة والاندماج



GMT 09:19 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

الـــوعـــي أهــــم مـــن «كـــورونــــــــا»

GMT 05:59 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

كلنا مسؤول في عصر "كورونا"

GMT 07:08 2020 السبت ,23 أيار / مايو

أوروبا وسياسة الضم

GMT 07:08 2020 الجمعة ,17 إبريل / نيسان

أنقذوا سورية من «كورونا»

GMT 05:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

دلالات نقاط المراقبة التركية في سورية

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 06:50 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 14:17 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 04:37 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 07 مايو/ أيار 2025

GMT 02:19 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

انطلاق برنامج "حكايات لطيفة" بداية الشهر المقبل علي "dmc"

GMT 01:31 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نقد لاذع لأداء كيليان مبابي ومركزه كمهاجم صريح في ريال مدريد

GMT 06:41 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 15:38 2017 الثلاثاء ,07 آذار/ مارس

ميتسوبيشي تظهر ''Eclipse 2018'' قبل أيام من جنيف

GMT 05:03 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

9 قطع باهظة الثمن لغرفة المعيشة لا تستحق إنفاق المال عليها

GMT 11:01 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

شنط ماركات رجالية لم تعد حكرا على النساء

GMT 08:21 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الميزان" في كانون الأول 2019

GMT 23:42 2020 الأحد ,28 حزيران / يونيو

طريقة عمل البطاطس بوصفة جديدة

GMT 09:33 2020 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

8 وجهات مميزة لعشاق المغامرات

GMT 07:37 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك ما تحتاج معرفته قبل السفر إلى جزر المالديف

GMT 02:07 2019 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

مصر تستورد 34 مليار متر مكعب مياهًا افتراضية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday