كورونا وعالمنا المعاصر
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

"كورونا" وعالمنا المعاصر

 فلسطين اليوم -

كورونا وعالمنا المعاصر

عاطف أبو سيف
بقلم : عاطف أبو سيف

ضرب فيروس كورونا العالم في غمضة عين، وسرعان ما تحول إلى وباء عالمي في أيام، بعد أن ظهرت أولى الإصابات به في الصين. والمرض الذي بات عالمياً على صعيد الانتشار لم يمهل الدول الكثير من الوقت من أجل إيجاد سبل تعاون مشترك لمكافحته. فكل دولة ظلت مشغولة بنفسها ونأت عن الفعل الجماعي رغم جهود منظمة الصحة العالمية المشكورة في مساعدة الدول. لكن لم يكن ثمة جهد مشترك أو على الأقل لم يكن مثل هذا الجهد واضحاً في الحرب الشرسة التي تخوضها البشرية من أجل البقاء في وجه فيروس لم يتم اكتشاف علاج له.

وربما أن غياب هذا الجهد - الغياب الذي هو من تأثير قوة انتشار الفيروس وفتكه - هو سبب آخر لتفشيه بصورة أكبر. المعادلة متبادلة النتائج فالمرض وانتشاره بالطريقة التي يتم فيها لم يترك فرصة للدول من أجل أن تجلس وتتشاور وتتحاور وتتبادل الخبرات والتجارب والمعلومات ونتائج الأبحاث، فكل دولة مشغولة بمصائبها ومشاكلها وتأثيرات المرض على مواطنيها ومحاولتها مكافحته والحد من انتشاره داخل البلاد. ومن جانب آخر، فإن غياب الجهد المشترك أعاق سرعة الوصول إلى حلول؛ إذ إن من شأن تبادل المعلومات وتلاقح التجارب والخبرات أن يسرّع من فرص الوصول إلى علاج، وبالتالي وضع حد للمرض الفتاك وتسريع نهايته. وعليه، فإن النتيجة الأبرز هي زيادة عمر الفيروس الأكثر استعصاء على البشرية منذ عقود.

بل إن التوتر الذي خلقه انتشار المرض فتح الباب أمام التكهنات وأطلق العنان لخيالات نظرية المؤامرة. وفيما لا يمكن استبعاد شيء من التحليل، فإن السياقات التي ظهرت فيها هذه التكهنات والخيالات هي نتيجة أخرى من نتائج المرض. إذ يصعب التصديق أن الفيروس سقط من السماء في ليلة وضحاها، وأنه فجأة وجد طريقه إلى أجساد الناس بهذه السرعة كأنه كان نائماً واستيقظ أو أنه كان ضالاً فوجد طريقه. ثمة مساحات كبيرة من الشك تجد طريقها سهلة إلى النفوس حين يتم التفكير في أمر الفيروس الذي بدأ مثلاً بضرب دولتين عدوتين لواشنطن تتمثلان في الصين وإيران، خاصة أن عملية انتشاره في تلك البلدان كانت واسعة وسريعة وحرجة. لكن أيضاً هذا يبدو من باب استسهال الأمور، إذ إن الفيروس انتشر بقوة في أوروبا بعد ذلك. فإيطاليا البلد السياحي الأول في العالم وجدت نفسها ضحية سهلة للمرض الجديد.

بلاد مايكل أنجلو ودانتي ودافنتشي ورفائيلو، البلاد التي حملت للحضارة البشرية بواكير إنجازاتها المعرفية والفكرية، تعاني تحت أيدي المرض، ليست فقط إيطاليا بل جل دول أوروبا باتت مفتوحة أمام هجمات المرض الفتاك. وعليه فإن الافتراض بوجود مؤامرة هو استخفاف بالعقل البشري واستخفاف بمنجزات الحضارة البشرية التي روّضت الطبيعة وانتصرت عليها في أشد معارك التاريخ ضراوة والمتمثلة في بقاء الإنسان على الكوكب بعد أن هبط عليه عارياً سليب القوة.

مثلاً إحدى الملاحظات المهمة حول انتشار المرض، ويجب على شخص مثلي ألا يفتي طبياً في الأمر، هي أنه ينتشر في الأماكن التي يكثر فيها الاختلاط بين الناس. إيطاليا بلاد السياحة الأولى في العالم كانت البوابة الرخوة للمرض في أوروبا حيث يفد الناس من كل بقعة على وجه الأرض، ربما كان مصدر المرض بلاد معينة ثم انتقل عبر السفر إلى بقاع أخرى. والصحيح أن اختلاط الناس كما قالت فتاة إيطاليا في أحد الفيديوهات المتداولة حول المرض هو أساس انتشاره. والإنسان الحيوان الاجتماعي عليه أن يدفع ثمن خطيئته الأولى التي جعلت منه مختلفاً عن كل المخلوقات الأخرى على وجه الأرض: إنه اجتماعي.

عندنا في فلسطين أيضاً وصل المرض مدينة السياحة الأولى بسبب وجود السياح والاختلاط. وهذا أمر طبيعي في ظل طبيعة انتشار المرض المشار إليها. أيضاً الأماكن المكتظة في المدن الكبرى. أسباب وظواهر مختلفة لكنها تشير إلى بعض الحقائق التي يجب أن تكون مؤشراً حول سبل احتواء المرض. في سياق شبيه، تخيلوا أن وسائل النقل المعاصر هي من سرّعت في انتشار المرض. فالفيروس الذي يمكن أن يكون مهده في مدينة أو قرية نائية في الصين بعد أيام كان في كل مكان بالعالم. إنها العولمة بوجه آخر.

فكما تنتشر المعلومات وكما تنقل الأموال بسرعة أيضاً الفيروس يركب مع المرضى في الطائرة ويصل إلى كل بقعة بالعالم. عولمة المرض ظاهرة أخرى من ظواهر عالمنا المعاصر. العولمة التي كانت دوماً موضع نقد ومدح لكنها ظاهرة لا يمكن تجاهل وجودها وتجاهل حقيقة أن خصائصها أبرز ما يميز حياتنا المعاصرة. يمكن الافتراض أن هذا المرض في أزمان أخرى ما كان ليكون بهذه القوة. لكن كل زمن وله مرضه وله ما يساعده. تذكروا الطاعون والكوليرا والإنفلونزا.

كلها في أزمانها كانت أكثر فتكاً وكلها كادت أن تجهز على البشرية، وفي كل مرة كان يعتقد أنها النهاية التي ستجهز على الجميع. لكن البشرية عظيمة بما يكفي حتى تتجاوز كل المحن. وربما في وقت قريب سيصبح الحديث عن الكورونا جزءاً من الحديث عن الماضي الأليم، لكنه فرصة للاحتفال بعظمة الإنسان ونجاح العلم. لكن، ولنعود للنقطة الأولى التي أثرناها، فإنه في عالم العولمة الحقيقي (هناك من سيجادلكم أن كل العصور كانت معولمة أيضاً)، فإن دول العالم فشلت في أن تعكس صورة متعاونة للبشرية العظيمة التي تسعي وتطمح لحكم كل العوالم الخارجية عبر اقتحام الفضاء.

فشل لا بد أن نقول: إنه معيب بحق الإنسانية. صحيح أن كل الدول منشغلة بآلامها، لكنه الألم الذي لا يحول دون تعاون مشترك وبناء بين الجميع لأن نهاية القصة ستكون مشتركة.

قد يهمك ايضا :  

صفقة ترامب والتحولات الدولية

أبو سيف يؤكد ان شعبنا قادر على تجاوز كل المحن والصعاب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كورونا وعالمنا المعاصر كورونا وعالمنا المعاصر



GMT 22:40 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

ترمب... وما ورائيات الفوز الكبير

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 04:42 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

حظك اليوم برج الدلو الأربعاء 07 مايو/ أيار 2025

GMT 11:38 2020 الثلاثاء ,12 أيار / مايو

سامسونج تنافس أبل في خدمات الدفع الإلكتروني

GMT 07:49 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 05:21 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

تعرّض اللاجئين "الروهينغا" للإجبار على تجارة "البغاء"

GMT 23:34 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

فوائد الرمان الصحية وكيفية دمجه في نظامك الغذائي

GMT 18:32 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان بكين السينمائي يرحب بقادة صناع الترفيه الأميركية

GMT 23:29 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة كريستينا ... وحرب «العم» بلفور

GMT 10:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

14 وفاة و1088 إصابة جديدة بفيروس كورونا في فلسطين
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday