العالم الذي سيختلف كثيرا
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

العالم الذي سيختلف كثيرا...!

 فلسطين اليوم -

العالم الذي سيختلف كثيرا

أكرم عطا الله
بقلم : أكرم عطا الله

جاءت أزمة وباء «كورونا» لتصيب العالم بصدمة، هي حرب ولكن لا تشبه حروب البشرية التي اعتادت عليها في القرن الأخير حيث كان الصراع بين طرفين أو قطبين، ولكن هذه المرة تتوحد البشرية ضد عدو واحد، وهي المرة الأولى في التاريخ حرب بلا أبطال ولا قادة عسكريين لكن الضحايا كثر، حرب لم تجر على جغرافيا واحدة لكنها امتدت على مساحة الكون ساحاتها ليست ميادين القتال بل غرف المستشفيات.ولأنها كذلك فقد وضعت المجتمعات وتكتلاتها الاقتصادية والسياسية أمام مرآة شديدة الوضوح لم تكن تنكشف في ذروة الصراعات الماضية، الكل بدا على درجة من الضعف والانكشاف الشديد وكأن الزعماء والحكومات وناطقيها تحولوا هؤلاء جميعا إلى ناطقين باسم وزارة الصحة، يعطون أرقاما للإصابات والضحايا ويتحدثون بعموميات المشاعر الإنسانية في محاولة لتغطية عجز النظام الصحي الذي انكشف فجأة أمام هول الكارثة فيما كانوا مشغولين بالتسلح والاحتكارات.
هذه الأزمة التي وحدت الإنسانية حيث تتشارك الخوف والقلق إلى هذا الحد ستفعل فعلها في إحداث الكثير من التغيرات الكونية، فالعالم بعدها لن يكون كما قبلها وتلك الفكرة التي بدأت تشغل العاملين في حقل الفكر والثقافة مبكراً كمحاولة للإجابة عن شكل العالم بعد الزلزال الذي يضربه حاليا، وبعد أن يستقر وأين ستصل هزاته الارتدادية التي ستطال كل شيء.

فقد تشكل عالم جديد بعد الحرب العالمية الثانية، والتي أحدثت صدمة ربما أقل من صدمة الوباء الحالي، فالعالم الذي ولد نهاية أربعينيات القرن الماضي لم يكن يشبه عالم ما قبل الحرب، لا من حيث النظم السياسية في المنطقة التي ميدان المعارك والتي أصبحت نظما ديمقراطية حين أصابت الحرب ضمير المجتمعات لتصبح أكثر إنسانية في التعامل مع شعوبها التي كانت ضحية الحرب وتفلت العنان للحريات العامة والحريات الفردية وحرية الاقتصاد وحرية الفكر والثقافة، وكي تشكل المؤسسات الدولية ببعدها الذي تمت هيكلته ودور المرأة التي نزلت لتغطية حاجات المجتمع وقت الحرب حين ذهب الرجال للقتال لتصبح واحدة من أركان المجتمع.

لقد طال التغيير بعد الحرب العالمية الثانية كل شيء حتى الثقافة والبيئة والموسيقى والألحان والمسرح، إذ ولد ما يعرف بمسرح العبث، حيث الممثل الواحد يقف وحده على خشبة المسرح يؤدي الدور بلا مساعدين ما يشبه المونولوج.ويمكن حصر التغيرات التي أعطت شكلا جديدا للعالم مع مطلع خمسينيات القرن الماضي، فقد احتواها الكثير من الكتب، تلك التغييرات التي تبدو الآن قديمة قياسا بحركة الزمن كانت في طريقها للتغير أصلا بفعل صيرورته الطبيعية لكن الوباء الذي اجتاح البشرية ربما اختصر كثيراً هذا الوقت، بالإضافة لقدر من أنسنة التحول الذي لم يكن مصاحبا لهذا التغيير.

ضمن ما يمكن قوله في هذا النقاش المصاحب أن أول ضحايا هذا التحول هم السياسيون وهيبة السياسة التي اعتاشت عليها لعقود طويلة وربما لقرون كانت فيها أكثر سطوة، إذ إنها ستفقد سطوتها إلى أبعد الحدود وستتضاءل قوتها الناعمة والخشنة أيضا، تلك التي وقفت بكل هذا الضعف أمام الوباء، صحيح أنها كانت في طريقها لفقدان تلك الهيبة والسطوة بفعل تطور الاقتصاد والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ولكن الحرب الصحية وعجزها عن مواجهتها وجهت لها الضربة الأكبر ولهذا ستكون تأثيراته المهمة على صعيد البنى السياسية وشكل النظام السياسي سواء النظم المحلية أو النظام الدولي.

بعد الوباء سيتراجع دور الجيوش ويقل التركيز على القوات المسلحة والتي تظهر الآن بكامل ضعفها في قواعدها وسفنها الحربية، فلن تعود هي الضرورة الأولى للأمن لأن الوباء الذي حل سيحدث تغييراً لمفهوم الأمن القومي، إذ ظهر تهديد جديد للمجتمعات هو أقسى وأخطر من هجوم الجيوش، ويحتاج لمصدات دفاعية مختلفة لا تصلح فيها القوة ومصانع السلاح بل العلم ومختبراته.
بعد الوباء سترتفع موازنات الصحة لتحظى بنصيب الأسد، وسنشهد بناء مزيد من المستشفيات وسترتفع نسبة أسرة  المستشفيات قياسا بعدد الأفراد والأطباء والممرضين، وستعطي الجامعات تسهيلات لطلبة الطب والتمريض وسيجري استثمار الكثير في المختبرات العلمية، لكن العالم سيبدأ بالتخفيف من أسلحته الجرثومية وقد تشهد اتفاقيات جديدة للحد منها تترافق مع اتفاقيات تعاون صحي في كل المجالات وستصبح ربما منظمة الصحة العالمية أكبر المنظمات الدولية وأوسعها من حيث الصلاحيات.
سنشهد عالما أكثر توحداً فحين تشهد البشرية عدوا واحدا من الطبيعي أن تزداد القواسم المشتركة، وسيتجاوز العالم الصدمة الأولى التي كشفت في لحظة معينة توحشا وانغلاقا بسبب الخوف الأولي، وتسبب بانغلاق الدول بل وذهب بعضها حد السطو على مساعدات غيرها، ستفعل هذه الأحداث فعلها حين يأتي حساب الضمير كنوع من التطهير نحو مزيد من الانفتاح والتوحد، وهذا ما بدأت تتداركه أوروبا التي بدت للحظة كأنها تتخلى عن إيطاليا ثم عادت فرنسا وألمانيا تحتضناها بشكل أكثر إنسانية سيسرى هذا النموذج بشكل أو بآخر على تكتلات أخرى.
قد نشهد مزيداً من الاستثمار في البيئة التي اعتبرت مصدر التهديد الحقيقي لأن عدوانها لا تتم مواجهته بالجيوش ولا بعقد اتفاقيات أمام هجومها، وقد اعتبرت التغييرات المناخية سببا في الكثير من الكوارث الحالية واللاحقة التي يحذر منها علماء البيئة، وهذا سيصاحبه تدقيق أكبر على الصناعة والمصانع وسنشهد اتفاقيات دولية أكبر في هذا السياق ذاته وأمام الأخطار المستجدة، وقد يحدث تحولات داخلية في الأحزاب السياسية في الدول وسيكون لأحزاب البيئة  دور أكبر على حساب الأحزاب الاخرى التي نشأت نتاج الحرب العالمية الأولى ونشأت لتواجه تهديدات أصبحت متواضعة أمام التهديدات الجديدة والأكثر جدية.
رأس النظام الدولي الولايات المتحدة التي استثمرت في القوة ومصانع السلاح تزعمت العالم بعد الحرب العالمية حتى في مواجهة سارس وإيبولا الآن تنكفئ ولا تتصدر كمخلص للبشرية، حيث تتقدم دول أخرى مثل ألمانيا التي حطمتها في تلك الحرب، أو الصين التي تظهر كمخلص حقيقي، بل إن  الولايات المتحدة تضع خطة إنقاذ بمبلغ تريليوني دولار، هذا سيحدث تأثيره على صعيد الفكر السياسي في أميركا نفسها.
سيكون للتكنولوجيا دور أكبر في المجتمعات بدءا من الخدمات الصحية وصولا للخدمات التجارية والانسانية البسيطة، فقد يطال التغيير طبيعة العلاقات ليس السياسية فقط بل الاجتماعية بعد تجربة الوحدة والحجر والتعايش مع التكنولوجيا كبديل لفترة مؤقتة، وقد تشجع لاحقا أن تتحول إلى دائم سيطال التعليم والعمل وادارة الشركات عن بعد وكل شيء.
نحن أمام وجه جديد للعالم وللنظام العالمي. فالتغيير سيكون أكبر مما حدث قبل سبعة عقود، ستتمكن البشرية من التغلب على الوباء وبعدها ستكون للهزة التي أحدثها دور القابلة في استيلاد عالم مختلف عن الذي نراه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم الذي سيختلف كثيرا العالم الذي سيختلف كثيرا



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 07:20 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الجوزاء" في كانون الأول 2019

GMT 15:13 2014 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض "الشارقة للكتاب" يستضيف الإعلامي أسامة مرّة

GMT 09:56 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

ترامب يبحث بناء منصة خاصة له بعد حذف حسابه على "تويتر"

GMT 18:15 2020 الأربعاء ,18 آذار/ مارس

تفاصيل برنامج هنا الزاهد «هزر فزر»

GMT 17:57 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

تنتظرك ظروف غير سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 23:52 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

"مؤمن زكريا" مطرود "قصرًا" من الوسط الرياضي

GMT 16:51 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

اتحاد جدة يفوّض بيليتش لفصل صفقة الإيفواري "سانوجو"
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday