حسومات أخلاقية ومؤامرات
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

حسومات أخلاقية ومؤامرات..!!

 فلسطين اليوم -

حسومات أخلاقية ومؤامرات

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

لا يحتاج الأمر إلى سوداوية من نوع خاص، ولا كلبية (cynicism)، للقول إن ما لا يحصى من العرب لا يفهم لماذا يحاكم الإسرائيليون نتنياهو بعد كل ما فعل من أجلهم. والواقع أن هذا ما لا يفهمه أنصار نتنياهو الإسرائيليون، أيضاً. وعلى سبيل الاحتياط، فلنقل إن الإسرائيليين ليسوا هم من يحاكم نتنياهو بل القضاء، والجهات الموكلة بإنفاذ القانون. وما القضاء والجهات الموكلة بإنفاذ القانون سوى تجسيد لفكرة بعينها في الإدارة والحكم. ومشكلة ما لا يحصى من العرب، وأنصار نتنياهو في إسرائيل، ومَنْ يشبهون هؤلاء وأولئك في أربعة أركان الأرض، هي مع الفكرة، نظاماً، وفلسفةً.

الفكرة أن الحاكم موظف يتقاضى راتبه من خزينة الدولة، ويصل إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع، ولا يبقى في سدة الحكم فترة تزيد عما نص عليه القانون، وأنه ليس فوق القضاء، ولا القانون (هذا اسمه الفصل بين السلطات) وأن إنجازاته العسكرية والسياسية لا تمنحه حصانة خاصة في نظر القانون.

للفكرة المعنية غواية خاصة في عالم اليوم (أي ما بعد الحرب العالمية الثانية) على الرغم من تعددية أنظمة الحكم في مناطق مختلفة. وما لا ينبغي أن يغيب عن الذهن أن كل ما عدا الديمقراطيات الليبرالية من أنظمة يعاني من حرج بشكل أو آخر، ويُبرر نفسه بخصوصية من نوع ما، وأن ثمة أنظمة تتعامل مع الديمقراطية بطريقة انتقائية، وكنوع من الديكور، لتفادي الحرج، والسمعة السيئة. والأخطر بين أصحاب الخصوصيات الدينية والقبلية والقومية مَنْ يسعى لتعميم خصوصيته بوصفها النموذج البديل.

وإذا استمر صعود اليمين الديني والقومي، كما نرى ونسمع، سيصبح استثناء الخصوصيات قاعدة، وما عداها استثناء. فمَنْ قال إن «الإسلام» أو «اليهودية» أو «المسيحية» أو «الهندوسية» أو «البوذية» لا تنطوي على مفاهيم وقيم وتجارب تاريخية، ومرافعات فقهية ولاهوتية، ونظريات سياسية، تعيد العالم إلى ما قبل «كارثة» نزع السحر عنه (نزع السحر بلغة ماكس فيبر، إذا شئت)، وتنجح في تحريره من الرأسمالية،

والانهيار الأخلاقي، والتحلل الجنسي، وتعيد للإنسان اعتباره، وللطبيعة احترامها!!
ستتضح، بعد قليل، ضرورة التذكير بما تقدّم. المهم أن العاجزين عن فهم لماذا يحاكم الإسرائيليون (أو القضاء) نتنياهو بعد كل ما فعل من أجلهم، أو كيف تجرؤ الشرطة على التحقيق مع حاكم، ويجرؤ القضاء على وضعه في قفص الاتهام، يصدرون في أمر كهذا عن فكرة مضادة، فالحاكم يستحق قدراً من الحسومات الأخلاقية، خاصة إذا كانت إنجازاته كبيرة.

وهذه، على الأرجح، معضلة وجودية بالنسبة للعربي، الذي يعيش على وجه خاص في بلدان يُعامل الحاكم فيها كولي للأمر، ويتجلى منحه حسومات أخلاقية كاستراتيجية للبقاء على قيد الحياة.
وهناك فئة ثانية، وأغلب هؤلاء من أنصار نتنياهو في إسرائيل، تعتقد أن المحاكمة جزء من مؤامرة حاكها الخصوم السياسيون في المعارضة، وأن هؤلاء ليسوا أعداء للحاكم وحسب، بل وللشعب والوطن والدولة، أيضاً. القاسم المشترك بين مختلف الفئات: زعزعة فكرة الحاكم كموظف، وزعزعة قابليته للفساد، وإمكانية محاكمته والحكم عليه.

وعلى الرغم من الاختلاف البيّن بين الديمقراطية الليبرالية في الولايات المتحدة، والديمقراطية الإثنية في إسرائيل، كلتاهما في أزمة: ترامب الأميركي يتهم الصحافة، و»الدولة العميقة» بالتآمر عليه، ونتنياهو الإسرائيلي يتهم الشرطة، والقضاء، وخصومه السياسيين بالتآمر عليه. وكلاهما يحاول التدليل على صدقيته، ويتصدى لمعارضيه، بحيل وألاعيب تقوّض ما استقرت عليه قواعد اللعبة الديمقراطية. ويؤمن أنصار هذا وذاك بأهمية وضرورة الحسومات الأخلاقية، وهم من مستهلكي نظرية المؤامرة، أيضاً.

وثمة ما يبرر التذكير، هنا، أن دافع الإيمان بأهمية وضرورة الحسومات الأخلاقية، التي يستحقها الحاكم، يصدر عن فلسفة مضادة في الحكم، ودفاعاً عمّا يتجلى كمصلحة أعلى قيمة من النزاهة الأخلاقية، والضوابط القانونية والدستورية، فأنصار ترامب من المسيحيين الإنجيليين، مثلاً، لا يخفى عليهم تعارض سيرة ومسيرة المذكور مع القيم الدينية والأخلاقية المحافظة، ولكن هذه أشياء قليلة الأهمية إذا ما قورنت باحتمال أن يكون الله قد اختاره لإعادة أميركا إلى الطريق القويم، وتقريب يوم الخلاص.

وبالقدر نفسه قد يتساءل أنصار نتنياهو: ما قيمة بضعة ملايين أنفقتها الدولة، دون وجه حق، عليه وعلى عائلته، أو بضعة ملايين حصل عليها بطريقة غير مشروعة كهدايا مقابل خدمات، إذا ما قورنت بالرخاء الاقتصادي، والصعود المدهش لمكانة إسرائيل في العالم، واستكمال مشروع «أرض إسرائيل»، وتطبيع العلاقة مع العرب، وتصفية المسألة الفلسطينية؟ ولماذا لا يكون في التحقيق معه، واتهامه ما ينم عن عداء دفين لمشروع الدولة الإسرائيلية نفسها، وللصهيونية كبوصلة للمشروع.
على أي حال، في الحسومات الأخلاقية، أو نظريات المؤامرة، وغالبا ما يتضافر الأمران، ما يكفي لإضفاء نوستالجيا موجعة على محاولات (شعبوية بلغة هذه الأيام) للعودة إلى، واستعادة، عالم لم ينزع عنه السحر، وفي كليهما، أيضاً، من المواد القابلة للاشتعال ما يكفي لإضعاف جهاز المناعة الذاتية، وتصفية النظام الديمقراطي، وتقويض بنية الدولة. وبقدر ما أرى: ترامب يسحب أميركا إلى القاع. ونتنياهو، الذي يلعب بالبيضة والحجر، ويعد الإسرائيليين بالكل، قد يكون المُخلّص الذي يضعهم على طريق ضياع الكل.

قد يهمك أيضا : 

تأملات في عالم مُتغيّر (5)

   تأملات في عالم مُتغيّر (6)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حسومات أخلاقية ومؤامرات حسومات أخلاقية ومؤامرات



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 04:42 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

حظك اليوم برج الدلو الأربعاء 07 مايو/ أيار 2025

GMT 11:38 2020 الثلاثاء ,12 أيار / مايو

سامسونج تنافس أبل في خدمات الدفع الإلكتروني

GMT 07:49 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 05:21 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

تعرّض اللاجئين "الروهينغا" للإجبار على تجارة "البغاء"

GMT 23:34 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

فوائد الرمان الصحية وكيفية دمجه في نظامك الغذائي

GMT 18:32 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان بكين السينمائي يرحب بقادة صناع الترفيه الأميركية

GMT 23:29 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة كريستينا ... وحرب «العم» بلفور

GMT 10:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

14 وفاة و1088 إصابة جديدة بفيروس كورونا في فلسطين
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday