نصف الكوب السياسي الفارغ
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

نصف الكوب السياسي الفارغ

 فلسطين اليوم -

نصف الكوب السياسي الفارغ

بقلم-عمار علي حسن

علينا أن نكون يقظين حيال الذين يطلبون من الناس، بجهل وغرض، أن يتحدثوا فقط عن نصف الكوب الملآن، وينعتوا المنشغلين بالعكس بأنهم متشائمون وعدميون ومحترفو اعتراض، فالاهتمام بالفراغ والفارغ، هو تعبير عن رغبة فى إتمام الناقص، وترميم المشروخ، واجتياز غير المأهول، واقتحام المجهول، بغية التقدم والترقى فى العيش.

ابتداء، لا تقوم السياسة إلا إذا جرى التفاعل بين الأفراد والأفكار والأشياء، لكن وجود هذه الأطراف وغيرها لا يعنى «موت الفراغ» إذ إنه يولد فى مختلف الظروف، بفعل تدابير وتصرفات غير محدودة، ويستقر فى المساحات غير المأهولة من العلاقة بين الشعب والحكومة، والروابط بين الدول، ووقت غروب بأس الإمبراطوريات الكبرى، وفى أيام الفوضى والاضطراب التى تحل بالدول، وبذا يبقى الفراغ السياسى مرهونا بغياب السلطة الأساسية، أو شعور الناس بغيابها، ولو مؤقتا، وقد يطول الوقت حين لا يكون بوسع الحكومة المركزية أن تبسط نفوذها على الأطراف الجغرافية للدولة، وتقنع الجميع بشرعيتها.

وقد أيقنت علوم شتى ضرورة الالتفات إلى الفراغ، لا سيما الفيزياء والهندسة، والفلسفة والإدارة، وبانت فى الدراسات اللغوية والسيمائية. وأتى علماء السياسة، فى الغالب الأعم، على ذكر الفراغ حين أسهبوا فى شرح اصطلاح «سياسة ملء الفراغ»، وكان المثل الصارخ على هذا هو قيام الولايات المتحدة الأمريكية بسد الفراغ الذى تركه انسحاب بريطانيا من شرق خليج السويس.

يكاد لا يوجد تصور نظرى متماسك ومسهب ومتكامل حول الفراغ السياسى باللغات الأساسية، فالكل يتحدث عن السياسة بوصفها بنت «الامتلاء»، وقد يكون هذا مرده إلى أن متخذى القرار يريدون للناس أن ينتبهوا فقط إلى «نصف الكوب الملآن»، مع أن «نصف الكوب الفارغ» هو ما يصنع الأحداث السياسية بطريقة أوسع وأكثر عمقا، فالتغيير، الذى قد يأتى هادئا منضبطا بفعل الانتخابات فى البلدان الديمقراطية أو عنيفا متفلتا على وقع الانتفاضات والثورات، هو ابن التفكير فى الجزء الفارغ، إذ إنه قد يثير حنق أو غضب البعض، ورغبة البعض فى البحث عما يملأ جزءا منه بغية التقدم إلى الأمام، وتحسين شروط الحياة.

ولا يقتصر الفراغ على هذا فحسب، بل قد يكمن فى المسكوت عنه فى الخطاب والممارسة السياسية، وما لا يقال، والذائب فى العقول والضمائر، وفى الامتناع عن فعل سياسى ما، لأسباب مختلفة، وفى المضمر الذى يسرى بين المسؤولين السياسيين، وبينهم وبين الشعب، وفيما ينكره أهل الحكم عن الناس، وكذلك ما يفكر فيه الناس، أو يتمنونه، لكن صاحب القرار لا يصل إليه تفكيرهم وأمنياتهم، وفى خطط الدولة التى تظل حبرا على ورق، حتى لو كانت معلنة، وفى المعلومات الناقصة التى لا يمكن الوصول إليها، أو لا توجد رغبة فى تحصيلها، قبل اتخاذ القرار.

وقد يكون الفراغ مجازيا أو معبرا عن رأى وموقف، حين نصف خطابا سياسيا بأنه «كلام فارغ»، ونصف أداء سياسيا بأنه «فعل أخرق»، ونصف حضور قطاعات من البشر فى الحياة السياسية بأنه غياب، وهى مسألة تزيد مع ارتفاع عدد غير الممكنين من الوصول إلى المساهمة فى صناعة القرار.

ويمكن أن يكون الفراغ متوهما، لكن هذا الوهم قد يرتب أفعالا، ويصنع أحداثا، ووقتها يكون الفشل معلقا فى رقبة أولئك الذين تركوا هذا الوهم يكبر ويستفحل. ويمكن أن يكون الفراغ نابعا من جهل بعض عموم الناس بالسياسة، فى وقت يعتقدون خطأ أن ما فى رؤوسهم هو السياسة دون زيادة ولا نقصان، وأنها بالضرورة بسيطة إلى درجة أن الجميع يفهمونها، وحقيقية لا تقبل التكذيب، ومتعينة يمكن الإمساك بها، ومعلنة ولا يمكن إخفاؤها.

ومن الوارد أن يحل الفراغ فى تصورات أو تهاويم عن موت الوقت، وموت المسافة، وموت الواقعة، وموت الشعب بالمعنى الرمزى أو المعنوى. ويمكن أن يحل فى أفعال سياسية تحتية مثل العشم والسخرية والهروب والتبخيس والتشويه.

كما يحل الفراغ فى الامتلاء الصورى القائم على تسديد الخانات، وشغل المسرح السياسى، وإنتاج كلام ليست له وظيفة سوى تمرير المواقف، والإيهام بوجود الحلول، والتظاهر باهتمام السلطة بالشعب. فالامتلاء الحقيقى يترتب على انحسار الفراغ فى الواقع، وليس فى أذهان الواهمين، وهو يقوم على بذل الجهد الذى يؤدى إلى تحقيق إنجاز.

وقد يعتقد البعض أن الفترة الزمنية المنحصرة بين التفكير فى شيء وتحقيقه فى الواقع هى فراغ، لكن هذا لا يعد فراغا إنما سعى فى اتجاه امتلاء، تبقى الدول والمؤسسات والأفراد فى حاجة ماسة إليه، حتى إن هناك من يطلب ملء الفراغ الموجود فى النظام الدولى بأسره، حين يُترك بلا قيادة أو حكومة عالمية فوق الدول القومية.

لقد علمنا أساتذتنا أن السياسة، فى الغالب الأعم، هى شىء يمكن أن نمسكه بأيدينا، لكن حين تقدم بنا العمر وجدنا تفكيرنا وممارساتنا السياسية موزعة بين الواقع والخيال، والحقيقة والمجاز، والامتلاء والفراغ، وأدركنا بالتجربة والوعى أن كثيرا من المفاهيم والمقولات السابقة فى حاجة إلى مراجعة.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصف الكوب السياسي الفارغ نصف الكوب السياسي الفارغ



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 04:42 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

حظك اليوم برج الدلو الأربعاء 07 مايو/ أيار 2025

GMT 11:38 2020 الثلاثاء ,12 أيار / مايو

سامسونج تنافس أبل في خدمات الدفع الإلكتروني

GMT 07:49 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 05:21 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

تعرّض اللاجئين "الروهينغا" للإجبار على تجارة "البغاء"

GMT 23:34 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

فوائد الرمان الصحية وكيفية دمجه في نظامك الغذائي

GMT 18:32 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان بكين السينمائي يرحب بقادة صناع الترفيه الأميركية

GMT 23:29 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة كريستينا ... وحرب «العم» بلفور

GMT 10:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

14 وفاة و1088 إصابة جديدة بفيروس كورونا في فلسطين

GMT 10:57 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

هازارد يؤكّد أن هيغواين سيكون إضافة قوية لـ"تشيلسي"

GMT 05:16 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

السعودية تعين الروبوت "تقني" موظفًا في وزارة التعليم

GMT 18:34 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

نجيب ساويرس يوجّه رسالة إلى الفنانة هيفاء وهبي

GMT 01:45 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

مئير بن شبات يبحث ملف "الجنوب السوري" في موسكو
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday