أكد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية، أنَّ استمرار الانقسام وحالة الاستفراد بالقرار الفلسطيني، يشكلان خطرًا على القضية الفلسطينية، قد يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على الحاضر والمستقبل الفلسطيني.
وشدد هنية على إصرار حركته على الحفاظ على ثوابت الشعب الفلسطيني ومقاومته كعنوان لتحقيق الأهداف الوطنية، ورفضها الانسياق إلى أيّ مساومة على هذه الثوابت والحقوق، مع إبداء المرونة اللازمة في الهوامش المتاحة من العمل السياسي.
جاء ذلك في مقابلة أجراها الكاتب محسن محمد صالح، وتم نشرها في كتاب "حركة المقاومة الإسلامية حماس: دراسات في الفكر والتجربة"، والذي صدر نصه العربي عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت العام 2014.
وبين أن ثوابت حركته هي ثوابت الشعب الفلسطيني، والمتعلقة بقضيتين أساسيتين هما الأرض الفلسطينية غير منقوصة، والإنسان الحر على أرضه الحرة، بما يحقق حقّ العودة لكل إنسان فلسطيني إلى أرضه ووطنه وبيته وقريته.
وأفاد بأن الحركة عملت في كل مجالات الحياة الفلسطينية: الاجتماعية، والسياسية، والعسكرية، والأمنية، إضافة إلى عملها الأساسي الدعوي؛ مما مكنها من الانتشار وفتح ساحات جديدة.
وأوضح هنية أن "حماس" قدمت نموذجًا جديدًا من العمل الوطني في الساحة الفلسطينية، بل في المنطقة العربية والإسلامية، وهو نموذج فريد من حيث طبيعة التحديات التي تواجهه، وطبيعة الوسائل التي تعامل معها.
وبين أن أداء الحركة لم يقتصر على البعد الخيري والدعوي والاجتماعي، ولكنه ركّز على الأداء المقاوم للحركة بحكم طبيعة الحالة الفلسطينية ووقوعها تحت الاحتلال، مما أدى إلى بروز المقاومة كإبداع وأولوية في العمل.
وأشار إلى أن هذا النموذج "هو خليط فريد من المقاومة والعمل الدعوي، والإغاثي، والجماهيري، والسياسي، والفكري حتى شكلت هذه الحركة إرثًا يستحق الدراسة بشيء من التفصيل في كل هذه المجالات، وحتى تجربة الحكم قدمت شخصية قيادية مختلفة.
ولفت إلى أن تطور نموذج المقاومة لدى "حماس" بتطور كل مرحلة وبما يناسبها سياسيًا، وبما يحقق الأهداف المناطة بهذا العمل المقاوم على طريق التحرير كاستراتيجية، وعلى طريق تحقيق الأهداف المرحلية في إطار الرؤية الشاملة.
وحول الموقف من الاعتراف بالكيان "الإسرائيلي"، ومشروع التسوية السلمية، أوضح هنية أن شكل الاعتراف الذي قدمته منظمة التحرير بالاحتلال تضمن كارثة سياسية، فهو لم يكن اعترافًا بأمر واقع وإنما كان اعترافًا بحق "إسرائيل" في الوجود، دون أيّ ضوابط واعتبارات، مما فتح الباب على مصراعيه للاحتلال.
 
وذكر أن اتفاق أوسلو جاء وليد مرحلة سياسية جعلت من الولايات المتحدة القطب العالمي الأقوى والوحيد، وكنتيجة ثانوية لحرب الخليج والتوجه العربي الجمعي نحو مسيرة التسوية منذ مؤتمر مدريد، ومنذ تلك اللحظة لم يُشكل فقط تنازلًا جوهريًا للاحتلال عن حقوق شعبنا، وإنما أوجد انقسامًا في الساحة الفلسطينية حول الأهداف والوسائل.
 
وأضاف أن الأيام أثبتت منذ ذلك الوقت أن مسار التسوية مسار عقيم، يصب لصالح الاحتلال لمراكمة فرض وقائع على الأرض وتنازلات يومية من المفاوض الفلسطيني دون أيّ إنجازات تذكر، ويضاف إلى ذلك إسهام هذه المفاوضات في تجميل وجه الاحتلال، وغسل يديه من الجرائم التي اقترفها بحق الشعب الفلسطيني.
 
وتابع: "نحن نفرق ما بين الجهود السياسية وما بين التنازل، فلسنا ضدّ أيّ جهود دبلوماسية وسياسية من أجل استعادة حقوقنا، ولكننا لسنا مع المساومة عليها أو مبادلة حقّ بحق آخر".
 
وأردف: "قد توافقنا فلسطينيًا على القبول بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو العام 1967، مع عودة اللاجئين دون التنازل عن باقي حقوقنا؛ لأن الشعب الفلسطيني يفوض القيادة لاستعادة حقوقه، وليس للتنازل عنها، لأنها ليست ملكًا لنا أو لجيلنا الحالي فقط حتى نتنازل عنها".
ولفت إلى أن حركته استطاعت المزاوجة بين برنامجين ومرحلتين، وهما التحرر الوطني والبناء والتغيير، وضربت النموذج العملي في إمكانية تحقيق هذه المزاوجة، فقد خاضت الحركة والحكومة تحديات جسامًا كانت تستهدف وجود الحكومة بالأساس، وضَرْبَ هذا المشروع القادم واستئصاله.
ونوه إلى أنها خاضت معركة الحصار وعدة حروب قاسية، استطاعت الخروج منها أكثر ثباتًا وقدرة على تقديم المزيد من العطاء للشعب الفلسطيني؛ وأثبتت أنه لو توفرت الإرادة الحقيقية يمكن التقدم في المسارين.
وأكد أن المقاومة في ظل حكم "حماس" هي أكثر قوة وقدرة على إيلام الاحتلال، وفرضت عليه معادلات جديدة، وضربت المرتكزات الأساسية لنظرياته الأمنية والعسكرية، وهذا يعود لوجود حكومة تحمي ظهر هذه المقاومة وتوفر لها الغطاء السياسي.
وبشأن العلاقة مع حركة "فتح"، ذكر هنية: "لا شكّ أن حركة "فتح" حركة وطنية، قادت النضال الوطني في مراحل مهمة وحساسة من تاريخ القضية الفلسطينية، غير أن تطورات الأداء السياسي لها أدت إلى خصومة سياسية معها واختلاف في المنهج، لا سيّما بعد قبولها توقيع اتفاق أوسلو وخوضها في نفق المفاوضات".
وأضاف: "نحن نسعى عبر المصالحة إلى جَسْرِ الهوَّة بيننا، ليس على قاعدة أن تتحول "حماس" إلى "فتح" أو تتحول "فتح" إلى "حماس"، ولكن على قاعدة التعايش بين البرامج المختلفة، وأن تحكم قواعد العمل الديموقراطي الخلاف بين الرؤى السياسية المختلفة والمتباينة، وأن يحترم كلُّ رأيٍ الآخر".
وتابع: "نحن لسنا في حالة عداء مع "فتح"، وإن كان الخلاف بيننا في مرحلة من المراحل قد وصل إلى السلاح نتيجة تطورات أمْلَتْها اللحظة والمرحلة، ولكن في الأساس نحن شركاء في الوطن، ويجب على كلينا العمل وفق شراكة حقيقية، لنجسد ما كنا نردده دائمًاً شركاء في الوطن، شركاء في الدم، شركاء في القرار".
وأكد أن علاقة "حماس" مع مختلف مكونات الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله قائمة على الاحترام والاحترام المتبادل، خصوصًا وأن هذه القوى تحمل تاريخيًا ودورًا نضاليًا ووطنيًا مميزًا، وما زالت شريكة في العطاء والنضال من أجل فلسطين، وعلاقتنا بها قائمة على هذا الأساس من الشراكة في تحمل المسؤولية الوطنية.
 
 
أرسل تعليقك