توطين القضية الفلسطينية قبل تدويلها
palestinetoday palestinetoday palestinetoday
palestinetoday
Al Rimial Street-Aljawhara Tower-6th Floor-Gaza-Palestine
palestine, palestine, palestine
آخر تحديث GMT 08:54:07
 فلسطين اليوم -

توطين القضية الفلسطينية قبل تدويلها

 فلسطين اليوم -

توطين القضية الفلسطينية قبل تدويلها

نقولا ناصر

عندما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أخيرًا أنه "لم يبق أمامنا سوى تدويل القضية" فإنه في الواقع لم يعلن أي استراتيجية جديدة. فالوضع الراهن الذي تعيشه القضية الفلسطينية وأرضها وشعبها هو نتيجة تدويلها منذ قررت القيادة الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين المنصرم، مصادرة المقاومة الوطنية والرهان على حسن نوايا "المجتمع الدولي" الذي كافأها بقرار تقسيم فلسطين بين مغتصبيها الصهاينة وبين مواطنيها العرب عام 1947.
وجرى ذلك التدويل الأول للقضية عبر "تعريب" البحث عن حل لها، عندما أخذت القيادة الفلسطينية آنذاك بمشورة دول الجامعة العربية بالرهان على "المجتمع الدولي"، وهي ذات الدول التي أنشاتها اتفاقيات "سايكس – بيكو" الشهيرة والتي كان قرارها ما زال في يد الدول الاستعمارية التي تبنت ودعمت إقامة دولة المشروع الصهيوني، وهي ذات الدول التي حملها قائد المقاومة الفلسطينية وقتها الشهيد عبد القادر الحسيني المسؤولية عن خذلان فلسطين وعربها وثوارها.
وكما هو معروف، انتهى ذلك التدويل الأول بتقسيم فلسطين وإنشاء دولة المشروع الصهيوني فيها، وانتهى "التعريب" الأول لها بالنكبة العربية والإسلامية في فلسطين عام 1948 وبمحو فلسطين عن خريطة العالم الجغرافية والسياسية، قبل أن تعيد المقاومة الفلسطينية في أوائل النصف الثاني من القرن الماضي توطين القضية وتعيد فلسطين إلى خريطة العالم مرة أخرى.
والدرس التاريخي واضح، وفي ضوئه ينبغي النظر إلى تهديد الرئيس عباس الأخير بـ"تدويل القضية"، بدعم الجامعة العربية التي حلت الولايات المتحدة الأميركية محل بريطانيا وفرنسا في الهيمنة على قرارها، وكان يقصد في الحقيقة تدويل حلها، فالقضية كانت مدولة فعلا وتتصدر جدول الأعمال العالمي طوال المائة عام الماضية كما يؤكد سجل قرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها.
وعندما قررت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية استراتيجية "حل الدولتين" بالتفاوض برعاية أميركية فإنها قررت في الواقع مصادرة المقاومة الفلسطينية مرة أخرى بالرهان على "المجتمع الدولي" بديلا لها، أي انها قررت العودة إلى "التدويل" ثانية، واتخذ التدويل هذه المرة شكل "أمركة" القضية والبحث عن حل لها.

ولهذا السبب، أسقطت منظمة التحرير المقاومة من برنامجها السياسي، بل ألزمتها "أمركة التدويل" بالتنسيق الأمني مع دولة الاحتلال الإسرائيلي لمطاردتها وتفكيك بناها.
ولأن مقاومة الاحتلال جزء عضوي من التراث والوجدان الشعبي كان لا بد من تغييب المؤسسات الممثلة للشعب الفلسطيني وتعطيل دورها، ليتحول، على سبيل المثال، المجلس الوطني للمنظمة الذي استمد شرعيته الأولى من المقاومة إلى مجرد أداة تستدعى عند الحاجة لإضفاء شرعية مفقودة على برنامج سياسي يفتقد شرعية المقاومة والشرعية الشعبية معا.
وكان استمرار المقاومة خارج إطار منظمة التحرير وفصائلها التي وافقت على هذا البرنامج أمرا حتميا قاد إلى الانقسام الوطني الراهن الذي سوف يستمر على الأرجح حتى يعاد توطين القضية في حضن المقاومة كأساس لأي تحرك دولي.

ولخص الرئيس عباس نتيجة محاولة التدويل الثانية "المؤمركة" عندما قال: "أعطينا الأمريكان كل فرصة ممكنة، ومارسنا الانتظار والتريث ... (و) لم يعد في إمكاننا الانتظار والتعايش مع الوضع القائم" حاليا لأنه "غير قابل للاستمرار". وهذا يعني أن "أمركة التدويل" قد فشلت، وفشلت كذلك صيغة المفاوضات الثنائية مع دولة الاحتلال كطريق وحيد للتوصل إلى حل، وفشلت أيضا الاستراتيجية التي انتهجتها منظمة التحرير منذ عام 1988 وبخاصة منذ عام 1991.

و"التدويل البديل" الذي هدد به عباس قد يكون واضحا، حيث يسعى إلى تفويض دولي ملزم من مجلس الأمن الدولي بإجراء مفاوضات ثنائية مع دولة الاحتلال تفضي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين ضمن جدول زمني محدد، لكنه مسعى لا يبشر بأية نتائج مغايرة يمكنها أن تقود إلى تغيير نوعي على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.

فالأمم المتحدة التي يطرق عباس أبوابها الآن، كممثلة لـ"المجتمع الدولي"، هي مارد أممي لا أنياب له عجز عن تنفيذ قرار واحد من عشرات القرارات التي اتخذها عبر عشرات السنين لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته، ومفتاحها ما زال في يد الولايات المتحدة.

وإذا افترض المراقب جدلا أن عباس نجح في جمع تسعة أصوات في مجلس الأمن الدولي لتقديم مشروع قراره، وأن الولايات المتحدة لم تستخدم حقها في النقض "الفيتو" ضده، وأن المجلس قد أصدر فعلا قرارا بجدول زمني لإنهاء احتلال عام 1967، أو افترض خلافا لذلك بأن محاولته للتدويل عبر مجلس الأمن قد فشلت نتيجة للمعارضة الأميركية المتوقعة ليذهب عباس بعدها إلى الانضمام لعشرات من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فإن الواقع على الأرض المحتلة لن يتغير على الأرجح طالما ظل التدويل عاجزا عن تنفيذ قراراته.

ولأن الرئيس عباس يدرك كل ذلك فإن توجهه نحو التدويل عبر الأمم المتحدة منذ عام 2011 لا يعدو كونه حملة علاقات عامة دولية مهمة، يسجل له أنها كانت ناجحة حتى الآن في رفع مستوى التأييد الدولي لـ"حل الدولتين" وزيادة عزلة دولة الاحتلال على الصعيد العالمي.

أما مطالبته "وزير الخارجية الأميركي جون كيري العمل معنا على صيغة مشروع قرار لتقديمه إلى مجلس الأمن" فكانت محاولة لا يتوقع لها النجاح لتحييد الموقف الأميركي في مجلس الأمن الدولي من جهة.

وكانت من جهة أخرى مؤشرا إلى أن عباس لم ينفض يديه تماما من الولايات المتحدة ويحاول كسبها شريكة في الأقل في النسخة غير الأميركية لـ"التدويل" الذي يهدد به، وهذه أيضا محاولة محكوم عليها بالفشل، خصوصا بعد إجماع "الكونغرس" في مجلسيه، الأربعاء الماضي على تمرير مشروع "قانون الشراكة الاستراتيجية" بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الذي ينتظر الآن توقيع الرئيس باراك أوباما عليه.
لكن ربطه "طرح مشروع القرار على مجلس الأمن رسميا" بعدم الحصول "على ردود من إسرائيل"، كما قال عباس مخاطبا وزراء الخارجية العرب في القاهرة في التاسع والعشرين من الشهر المنصرم، لا يترك مجالا للشك في أنه يستخدم حملة العلاقات العامة الدولية الناجحة التي يخوضها كتكتيك تفاوضي وليس كاستراتيجية جديدة.

والأرجح أن الرئيس عباس سوف يرى في انفراط الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال تتويجا لنجاح حملته الدولية، والأرجح كذلك أنه لن يعدم الوسائل لإطالة أمد حملته لبضعة شهور أخرى حتى تجري انتخابات جديدة في دولة الاحتلال تتمخض عن حكومة جديدة يأمل في أن تكون "شريكا" له في استئناف المفاوضات حول "حل الدولتين".

والأرجح أيضا أن تهديده بـ"تحديد علاقاتنا مع إسرائيل، من خلال وقف التنسيق الأمني" سيتخذ من انهيار حكومة الاحتلال مسوغا لعدم تنفيذه.

فمنذ توقيع اتفاق "إعلان المبادئ" (أوسلو) في واشنطن عام 1993 ثم قيام "المجتمع الدولي" - ممثلا في الرباعيية الدولية (الأمم والولايات المتحدة والاتحادان الأوروبي والروسي) التي اقترح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي "ضم" الجامعة العربية إليها - بإقرار"خريطة الطريق" عام 2003، كان الضمان الفلسطيني لأمن دولة الاحتلال من خلال التنسيق الأمني معها شرطا "دوليا" لإقامة دولة فلسطينية. ولهذا السبب ظل قطاع الأمن يلتهم الحصة الأكبر من ميزانية "السلطة الفلسطينية" ويحظى بالأولوية في توزيع مخصصاتها.

لقد كان التنسيق الأمني وحل الدولتين واستراتيجية التفاوض مشاريع ولدت ولادة قيصرية نتيجة علاقة غير شرعية في أحضان "تدويل القضية" وفرضت على الشعب الفلسطيني ولم تولد ولادة طبيعية في رحم وطنية نتيجة علاقة شرعية.

وطالما استمر الاحتلال تظل المقاومة هي وطن الشعب الفلسطيني ومصدر أي شرعية فيه، ويظل التنسيق الأمني وحل الدولتين واستراتيجية التفاوض مجرد نتائج أكيدة ل"تدويل القضية" التي حان الوقت لإعادة توطينها في حضن المقاومة كأساس لأي تحرك دولي يسعى إلى حل عادل لها.


        

palestinetoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توطين القضية الفلسطينية قبل تدويلها توطين القضية الفلسطينية قبل تدويلها



GMT 10:41 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

لا يعرف ألم الفراق إلا من أكتوي به ؟

GMT 04:14 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

يحدث عندنا.. ذوق أم ذائقة

GMT 11:59 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

قرار المحكمة الصهيونية مخالف للقانون الدولي

GMT 19:24 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

نهوض سوريا تهديد لإسرائيل

GMT 19:20 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

تسارع استعادة السيطرة السورية على شرق الفرات

GMT 19:16 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

بنان عكس الطائف بين ثلاثة مفاهيم خطيرة... وتشوّهين

GMT 19:12 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

سورية والعائدون إليها

أفكار تنسيقات العيد مع الأحذية والحقائب مستوحاة من النجمات

القاهرة ـ فلسطين اليوم
مع اقتراب العيد، تبدأ رحلتنا في اختيار الإطلالة المثالية التي تجمع بين الأناقة والأنوثة، وتعد الأكسسوارات من أهم التفاصيل التي تصنع فرقاً كبيراً في الإطلالة، وخاصةً الحقيبة والحذاء، فهما لا يكملان اللوك فحسب، بل يعكسان ذوقك وشخصيتك أيضاً، ويمكن أن يساعدا في تغيير اللوك بالكامل، وإضافة لمسة حيوية للأزياء الناعمة، ولأن النجمات يعتبرن مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة، جمعنا لكِ إطلالات مميزة لهن، يمكنكِ استلهام أفكار تنسيقات العيد منها، سواء في الإطلالات النهارية اليومية، أو حتى المساء والمناسبات. تنسيق الأكسسوارات مع فستان أصفر على طريقة نسرين طافش مع حلول موسم الصيف، تبدأ نسرين طافش في اعتماد الإطلالات المفعمة بالحيوية، حيث تختار فساتين ذات ألوان مشرقة وجذابة تتناسب مع أجواء هذا الموسم، وفي واحدة من أحدث إطلالاتها، اختا...المزيد

GMT 04:42 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

حظك اليوم برج الدلو الأربعاء 07 مايو/ أيار 2025

GMT 11:38 2020 الثلاثاء ,12 أيار / مايو

سامسونج تنافس أبل في خدمات الدفع الإلكتروني

GMT 07:49 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 05:21 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

تعرّض اللاجئين "الروهينغا" للإجبار على تجارة "البغاء"

GMT 23:34 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

فوائد الرمان الصحية وكيفية دمجه في نظامك الغذائي

GMT 18:32 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان بكين السينمائي يرحب بقادة صناع الترفيه الأميركية

GMT 23:29 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة كريستينا ... وحرب «العم» بلفور
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday