في خطوة وصفها الكثيرون بأنها مستوحاة من أفلام الخيال العلمي، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحات أثارت جدلاً واسعًا حول خطته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وتوزيعهم على دول الجوار مثل الأردن ومصر وغيرها، تمهيدًا لتحويل القطاع إلى منطقة سياحية. وبينما تبدو الفكرة غير قابلة للتطبيق من الناحية العملية، إلا أن الكثير من المحللين رأوا فيها انعكاسًا لعقلية رجل الأعمال التي تحكم سياسات ترامب في التعامل مع القضايا الدولية، ومن بينها القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، جاءت تصريحات الزعيم السياسي اللبناني وليد جنبلاط، الرئيس السابق لـالحزب التقدمي الاشتراكي، الذي أبدى قلقه العميق إزاء هذا الطرح الخطير، مؤكدًا أنه لا يمكن التعامل معه باعتباره مجرد تصريح عابر، بل يجب قراءته ضمن سياق استراتيجي أوسع يكشف عن النوايا الحقيقية وراء هذا المخطط وما يحمله من تهديدات للمنطقة برمتها، بما في ذلك لبنان.
مخطط تهجير الفلسطينيين امتداد للمشروع الصهيوني القديم
يرى وليد جنبلاط أن خطة ترامب ليست وليدة اللحظة، بل تأتي امتدادًا لمسار صهيوني استعماري بدأ منذ وعد بلفور عام 1917، مؤكدًا أن الهدف الأساسي لهذا المسار لم يتغير، وهو الاستيلاء على أرض الفلسطينيين وطمس هويتهم الوطنية. وقال جنبلاط في تصريحاته لصحيفة الجمهورية:
"منذ وعد بلفور إلى وعد ترامب، لم يتغير المشروع الصهيوني في سعيه للاستيلاء على أراضي العرب في فلسطين ومحاولة محو الهوية التاريخية والوجودية للشعب الفلسطيني. على مدى 107 أعوام، والقوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تدعم هذا المشروع بقوة، خصوصًا في هذه المرحلة حيث تشهد الرؤية الإنجيلية ذات البعد التوراتي صعودًا غير مسبوق."
وأشار إلى أن خطة ترامب تمثل ترجمة واضحة لهذا المشروع، حيث لا تقتصر فقط على ترحيل سكان غزة، بل تهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية وإبادة الحقوق التاريخية لهذا الشعب.
ترامب يترجم الفكر الصهيوني بأجندة أمريكية ويهدد استقرار المنطقة
يرى جنبلاط أن تصريحات ترامب تتماهى تمامًا مع الأجندة الإسرائيلية، موضحًا أن هذه الخطة ليست فقط خطوة سياسية، بل تمثل رؤية عقائدية مرتبطة بمشروع استيطاني استعماري يعمل على تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها وإعادة توظيفها بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
وحذر جنبلاط من أن طرح ترامب يهدد الاستقرار في المنطقة، مشددًا على ضرورة وجود موقف عربي موحد وحاسم ضد هذه المخططات. وأضاف:
"ما يطرحه ترامب ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو تهديد مباشر للسلم الإقليمي، ولذلك لا يمكن للعالم العربي أن يقف مكتوف الأيدي. لا بد من موقف واضح وصارم يرفض هذه السياسات التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومقايضتها بمشاريع تجارية وسياحية على أنقاض غزة وحقوق سكانها."
ضرورة دعم الدول العربية المحيطة بفلسطين لمنع تنفيذ المخطط
أكد جنبلاط أن الدول العربية المحيطة بفلسطين، مثل الأردن ومصر ولبنان، تواجه تحديًا كبيرًا في هذا الملف، مشيرًا إلى أن هذه الدول ستكون الأكثر تأثرًا بمخطط التهجير القسري الذي قد يؤدي إلى زعزعة استقرارها الديموغرافي والسياسي.
ودعا إلى تحرك عربي فوري لدعم هذه الدول ومنع تنفيذ المخطط، موضحًا أن رفض المشروع لا يجب أن يكون مجرد بيانات استنكار، بل ينبغي أن يترجم إلى خطوات عملية على المستويات الدبلوماسية والسياسية.
تحذير من الاطمئنان إلى صعوبة تنفيذ المشروع
رغم أن العديد من الخبراء يرون أن خطة ترامب غير قابلة للتطبيق بسبب حجم المعارضة الدولية والعربية لها، إلا أن جنبلاط حذر من الاستهانة بخطورتها، مشيرًا إلى أن مثل هذه المشاريع لا تعتمد فقط على القوة المباشرة، بل يمكن تمريرها تدريجيًا من خلال الضغوط السياسية والاقتصادية.
وقال جنبلاط:
"لا يجب أن نطمئن إلى فرضية أن مشروع ترامب غير قابل للتنفيذ بسبب الاعتراضات التي واجهها، فهو يعكس جوهر الإمبريالية الأمريكية التي تعمل دائمًا على فرض سياساتها ولو على المدى الطويل."
تحذير جنبلاط من تداعيات العدوان الإسرائيلي على الوضع الداخلي في لبنان
وفي سياق متصل، حذر جنبلاط من أن التداعيات السياسية والأمنية للعدوان الإسرائيلي على غزة قد تمتد إلى لبنان، مشيرًا إلى أنه من الخطأ أن يظن البعض أن بإمكانه استغلال هذا العدوان لتحقيق مكاسب داخلية.
ودعا الأطراف اللبنانية إلى الاحتكام إلى منطق التوافق الوطني وعدم السماح للانقسامات الداخلية بالتفاقم، مستشهدًا بمقولة الرئيس اللبناني الراحل صائب سلام:
"لا غالب ولا مغلوب، وهذه الحكمة يجب أن تكون المبدأ الأساسي لإدارة الوضع الداخلي اللبناني في ظل الظروف المعقدة التي نمر بها، بما في ذلك استحقاقات تشكيل الحكومة."
ختامًا: ضرورة المواجهة العربية المشتركة
أكد وليد جنبلاط في ختام حديثه أن مشروع ترامب لا يجب أن يُنظر إليه كتصريح سياسي عابر، بل كجزء من مخطط استراتيجي طويل الأمد يستهدف تهجير الفلسطينيين وإلغاء هويتهم، داعيًا إلى توحيد الجهود العربية لمنع تطبيق هذا المخطط بأي شكل من الأشكال.
وقال جنبلاط إن العالم العربي اليوم أمام "الوقفة الأخيرة" في مواجهة هذا التهديد، مشددًا على أن أي تهاون في هذا الملف يعني فتح الباب أمام مشاريع أكثر خطورة في المستقبل.
قد يهمك ايضا:
"غضب عارم" من مهاجمة دونالد ترامب نتائج الانتخابات مجددا
دونالد ترامب يتهم وسائل إعلام أميركية بتضخيم الهجوم الإلكتروني
أرسل تعليقك